قائمة الموقع

حين يلتقي النُّزوح بالموج... شتاء قاس ينتظر نازحي الشَّاطئ غرب غزَّة

2025-11-09T19:32:00+02:00
شتاء قاس ينتظر نازحي الشَّاطئ غرب غزَّة
فلسطين أون لاين

على امتداد شاطئ بحر مدينة غزة، تصطف خيام نازحي الحرب، وتتمايل أطرافها مع هبّات الرياح القوية، وتئنّ تحت وطأة الرطوبة والبرد الذي بدأ يتسلل مبكرًا إلى القلوب قبل الأجساد.

هناك، وتحت أسقف خيامٍ رثّة، حيث فرَّ آلاف النازحين من جحيم الحرب الإسرائيلية، لم يبقَ سوى هذا الشريط الرملي الضيق، حيث تتقاطع الموجات الغاضبة مع صرخات الأطفال الجائعين والبرد القارس الذي يهدد بقاءهم.

في خضمّ الإبادة الإسرائيلية التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وامتدت سنتين، دمّر جيش الاحتلال أحياءً ومدنًا سكنية كاملة في قطاع غزة البالغ تعداد سكانه أكثر من مليوني نسمة، وترك أصحاب المنازل المدمّرة وحدهم يواجهون مصيرهم المجهول، بلا مأوى أو إغاثة سوى الخيام المنتشرة في كل مكان.


 

أرواح دمرتها الحرب

على حافة ميناء الصيادين غرب غزة، حيث تملأ الخيام رصيفه الممتد لمئات الأمتار في البحر، جلس محمد حسنة وبدأ يقذف الحجارة باتجاه مياه الحوض. كانت الأحجار تغطس في عمق الميناء ولا ترجع إلى الشاب البالغ (40 عامًا)، مثل بيته تمامًا الذي سوّاه جيش الاحتلال بالأرض في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع.

"كان لي شقة في مبنى سكني مكوّن من 5 طوابق، والآن صرت أعيش أنا وعائلتي في خيمة من القماش لا تقينا حرّ الصيف ولا برد الشتاء"، قال حسنة، وبدا حزينًا وهو يتأمل زوجته وطفليه.

وأضاف لصحيفة "فلسطين"، وقد بدت آثار البرد واضحة على أفراد أسرته: "نحن نعيش أوضاعًا قاسية لم نمرّ بمثلها من قبل، فقدنا بيتنا ولم نجد مأوى مناسبًا سوى خيمة لا تتوفر فيها أدنى مقوّمات الحياة."

يبدي حسنة مخاوف كبيرة مع اقتراب حلول فصل الشتاء الذي لا يفصلنا عنه سوى أسابيع قليلة. "هذا الشتاء الثالث الذي يحلّ علينا وأنا أعيش في مأوى، قضيت أشهر الحرب كلها وأنا أتنقل بين أماكن النزوح. إلى متى هذا الحال؟" تساءل الشاب وبدا في حيرة من أمره.

في خيمةٍ قماشية أيضًا، تجلس مبروكة جمّال، وتضع حولها بطانية ثقيلة محاولة أن تُداري جسدها الضعيف من آثار الهواء الباردة. "هذا هو حالنا، يصعب علينا الاستمرار في هذا الوضع، فالشتاء مقبل لا محالة"، قالت بصوت متقطع.

لا يبعد البحر عن المسنّة البالغة (70 عامًا) سوى أمتار قليلة، يفصله عن خيمتها بضع كتلٍ إسمنتية فقط، درجت العادة أن تتجاوزها الأمواج العاتية في شتاءات السنوات الماضية، وتزيح كل شيء أمامها.

"الموت من البرد سيكون مصيرنا إذا بقينا هنا، ولا نجد مكانًا آخر للذهاب إليه، فالخيام تملأ الساحات والشوارع والأرصفة، ولم يعد هناك متسع"، أضافت جمّال لـ"فلسطين".

وتابعت جمّال، وهي من سكان حي التفاح شرقي مدينة غزة: "حتى أطفالنا تبدّلت أحوالهم وأُصيبوا بالأمراض، فحياة الخيام لا تليق حتى بالحيوانات."

نازحو الشاطئ لا يجدون سوى ما تجود به بعض المبادرات الفردية أو الجمعيات الخيرية التي توزع القليل من الطعام والمياه، لكن احتياجاتهم تتجاوز بكثير حدود المساعدات الطارئة. ففصل الشتاء يقترب، والأمطار بدأت ترسم ملامح أزمة إنسانية جديدة، بينما لم توفّر المنظمات الدولية حلولًا مستدامة لإيوائهم.

حياة آدمية مفقودة

"الوضع هنا كارثي بمعنى الكلمة، لا توجد بنية تحتية، ولا مرافق صحية، ولا مأوى آمن، وأي منخفض جوي قادم سيقتلعنا من هنا"، قال شهاب السويركي، الذي لم يجد مكانًا لتثبيت أوتاد خيمته سوى رصيف الميناء.

يعيش السويركي (36 عامًا) في الخيمة منذ أشهر طويلة، تحوّلت مع مرور الوقت إلى مكان غير صالح للحياة الآدمية. ترافقه زوجته وأطفاله الخمسة، بينهم أربعة أُصيبوا في قصفٍ إسرائيلي نفذته طائرة حربية بدون طيار.

في ساعات النهار، تذهب الأم مع أطفالها الجرحى إلى المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" وسط مدينة غزة، لمتابعة حالاتهم الصحية مع الأطباء المشرفين عليهم، وفي ساعات الليل تعود بهم إلى الخيمة، مأواهم الوحيد بعد أن دمّر جيش الاحتلال منزلهم في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.

يضيف السويركي بنبرةٍ حزينة: "لم يعد لنا مفرّ من الخيمة، ولا مفرّ كذلك من حلول الشتاء والأمطار والأمواج، ستغرق خيمتنا ونغرق معها إن بقينا هنا. نحن بحاجة إلى حلولٍ سريعة، لا يوجد أمامنا مزيد من الوقت."

في ظلّ غياب الحلول العاجلة، ينام النازحون على وقع هدير البحر، وأملهم الوحيد أن تمرّ الأيام المقبلة دون أن تجرفهم الأمطار والرياح؛ لكنهم يعلمون أن الشتاء في غزة قاسٍ، وأن الأمواج لا ترحم. ومع ذلك، يتمسّكون بخيوط النجاة كما يتمسّكون بحبال خيامهم المهترئة، لأنهم ببساطة لا يملكون مكانًا آخر يذهبون إليه.

اخبار ذات صلة