في 15/11/1988م أعلن ياسر عرفات خلال انعقاد الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عن "قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف". وبعد مضي 29 عامًا نجد اليوم أن الدولة الفلسطينية، بما يعنيه مفهوم الدولة من سيادة، لم تقم بعد، لا على أرضها الفلسطينية ولا في أي مكان آخر. وأن القدس الشريف لم تصبح عاصمة لدولة فلسطين على أرض الواقع، بل لا تستطيع السلطة الفلسطينية من ممارسة أية أعمال رسمية أو افتتاح أية مؤسسات رسمية من مدينة القدس.
ومن زاوية أخرى؛ فإن اتفاق أوسلو الذي وقّعته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لم يُشِر إلى دولة فلسطين، كما لم يُشِر للقدس كعاصمة لها. لقد نص اتفاق أوسلو على "قيام سلطة حكم الذات الفلسطيني الانتقالي"، واعتبر القدس ضمن قضايا الوضع النهائي التي سوف يُبَتّ بشأنها في مفاوضات الوضع النهائي لاحقًا.
إن هاتين الحقيقتين الواردتين أعلاه تعنيان التالي:
1- الدولة الفلسطينية لم تقم بعد، ولم يتحقق الاستقلال، ولم تتحرر فلسطين ولا جزء منها.
2- مفاوضات السلام منذ مؤتمر مدريد 1991م وحتى اللحظة (26 سنة) لم تسفر عن قيام الدولة الفلسطينية، وإنما أسفرت عن "سلطة حكم الذات الفلسطيني الانتقالي"، وهو حكم ذاتي لم يتطور لأكثر من ذلك منذ 24 سنة، وليس في الأفق القريب مؤشرات على تطوره بشكل حقيقي.
3- هناك حالة من دغدغة العواطف مارستها قيادة منظمة التحرير بحق الشعب الفلسطيني، لتبرير استمرار وجودها، لتظهر كما لو أنها أنجزت شيئًا تجاه القضية التي تصدّرت لها. والحقيقة أنها من أجل طمس حقيقة فشلها في قيادة شعبها نحو تحرير فلسطين، باعته وَهْم الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية، بينما فلسطين ظلت محتلة.
4- قال المعارِضون لاتفاق أوسلو عند توقيعه، أنه من بين 54 منطقة حكم ذاتي في العالم، لم تتطور إحداها ليصبح دولة، وبالتالي ليس صحيحًا بأن الحكم الذاتي الفلسطيني (المسمى: السلطة الفلسطينية) يمكنه أن يتطور إلى دولة. وقد أثبتت 24 سنة على اتفاق أوسلو صدق هذه الرؤية.
5- إن استمرار قيادة منظمة التحرير وقيادة السلطة الفلسطينية في جعل ذكرى إعلان (الاستقلال) ذكرى احتفالية بجعلها عطلة رسمية، ما هو إلا استمرار في تضليل الشعب الفلسطيني، وإقناعه بإنجاز وهمي، كمن "يلوِّح لجائع برغيف خبز ويقول له اضحك فإنك قد شبعت"!
6- إن كل قيادي فلسطيني، وكل مثقف، وأكاديمي، ومسئول عليه أن يصْدُق شعبَه، وألا يخادع الناس، وأن يقول الحقيقة المُرة. لأننا ما لم نعترف بالخطأ فلن نصوِّب المسار؛ إذ إن اعتقادنا بأننا على صواب يجعلنا نكتفي بالواقع ولا نسعى لتصويب الخطأ. المصارحة تبدأ برفض العطلة الرسمية في ذكرى ما يُسمى (استقلال فلسطين) والمطالبة بإلغائها، ثم بالقول أن خطوة إعلان الاستقلال إنما كانت قفزة في الهواء، وأن اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية لن يتيح لنا التطور إلى دولة، وكفانا جريًا وراء سراب، ولنتعظ من المَثَل الشعبي: "عنزة ولو طارت" لأن العنزة لن يمكنها أن تطير، وكذلك الحكم الذاتي الفلسطيني لن يتطور إلى دولة، وأن مجرد تسميته "دولة" لن يغيِّر من حقيقته شيئًا.
7- إن بعض المظاهر التي نحياها تنفي بشكل مطلق أننا في دولة أو أننا مستقلون، ومن ذلك: السيطرة على المعابر، منح الرقم الوطني، العملة، منح رئيس السلطة وحكومته حق التنقل بين محافظات "الوطن"، الحق في إنشاء ميناء ومطار دون تدخل (إسرائيلي) أو دولي، الحق في إدخال أعداد ضخمة من فلسطينيي الخارج إلى مناطق السلطة، منع (إسرائيل) من التحكم في البريد والهاتف والنطاق الترددي وتسيير طائرات من دون طيار في سماء "دولة فلسطين"، أو تسيير زوارقها الحربية في المياه الإقليمية لقطاع غزة، القدرة على استغلال ثروات فلسطين الطبيعية من غاز وبترول وأملاح البحر الميت، ومنع (إسرائيل) من قرصنتها على هذه الثروات، تكوين جيش "لدولة فلسطين" وتسليحه بأحدث الأسلحة، وغير ذلك كثير.
إننا واثقون من نصر الله، ومن أن يوم استقلال فلسطين الحقيق قادم قريبًا جدًا بإذن الله، بتوفيق الله وبأيدي وسواعد المقاومة الفلسطينية الباسلة، وبوحدة شعبنا على طريق دحر الاحتلال وتحقيق الاستقلال. {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا. وَنَرَاهُ قَرِيبًا} (6،7 المعارج).