تشهد إسرائيل واحدة من أكبر الأزمات الداخلية منذ بدء حربها على غزة، بعد تسريب فيديو يوثّق تعذيبًا وحشيًا لأسير فلسطيني داخل معسكر الاعتقال العسكري سدي تيمان، الذي يحتجز فيه مئات الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
التحقيقات التي بدأت كقضية "تسريب فيديو" تحوّلت سريعًا إلى عاصفة سياسية وأمنية طالت الجيش والشرطة والمدعية العسكرية والوزراء، وانتهت بإعلان الجيش خروج المدعية العسكرية العامة يفعات تومر-يروشالمي في إجازة مؤقتة حتى استكمال التحقيق.
وتعود القصة إلى فيديو مسرّب في يوليو/تموز 2024، أظهر مجموعة جنود من وحدة 100 في جيش الاحتلال يعتدون بعنف على أسير فلسطيني داخل المعسكر تم اعتقاله من مخيم جباليا واحتجازه في سجن "سيدي تيمان" المعروف بـ"غوانتانامو إسرائيل" في صحراء النقب، باستخدام الركل والضرب والصدمات الكهربائية، مع ارتكاب اعتداء جنسي.
وأظهر التوثيق أسرى من غزة ممددين على الأرض وعيونهم مغطاة. وقام جنود خدمة الاحتياط من القوة 100، المكلفة بحراسة منشأة سديه تيمان، باقتياد الأسير من زاوية المنشأة وهم مدركون لوجود الكاميرات الأمنية، ثم حاولوا إخفاء الاعتداء الجنسي باستخدام الدروع.
وأضافت القناة أن الأسير الغزّي نُقل إلى المستشفى بعد ساعات من الاعتداء وهو في حالة نزيف، حيث وصفت جراحه بالخطيرة جدًا.وأوضح التقرير الطبي أن إصاباته ناتجة عن إدخال جسم صلب في مؤخرته. وتم اعتقال المشتبه بهم بعد ثلاثة أسابيع من الاعتداء، ومنذ ذلك الحين جرى تمديد اعتقالهم عدة مرات قبل الإفراج عنهم.
وأظهرت نتائج فحص جهاز الكذب أن الجنود الخمسة كذبوا في الشهادات التي أدلوا بها خلال التحقيقات التي أجرتها الشرطة العسكرية في جيش الاحتلال.
وبحسب المعلومات التي تلقتها "هآرتس"، فإن المعتقل في معسكر سديه تيمان، أصيب بتمزق في الأمعاء، وإصابة بالغة في فتحة الشرج والرئتين، وكسور في الأضلاع، ونقل إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية.
في 29 يوليو/تموز 2024، داهمت الشرطة العسكرية للتحقيقات (مِتساح) القاعدة واعتقلت ثمانية جنود احتياط متهمين بالمشاركة في التعذيب. غير أن المداهمة فجّرت احتجاجات واسعة من أنصار الجنود، وصلت إلى اقتحام قواعد عسكرية، والاعتداء على صحافيين ومحقّقين.
وشارك في تلك الاحتجاجات وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب اليمين المتطرف، مثل تسفي سوكوت وألموغ كوهين، ما حوّل القضية إلى صراع مفتوح بين المؤسسة العسكرية واليمين السياسي.
المدعية العسكرية في دائرة الاتهام
مع تصاعد الفضيحة، أعلن الجيش أن المدعية العسكرية العامة يفعات تومر-يروشالمي طلبت الخروج في إجازة “للحفاظ على نزاهة التحقيق”، لكن وزير الأمن يسرائيل كاتس قال إنها “أُجبرت على التنحي مؤقتًا”، متهمًا النيابة بـ"الإساءة للجنود".
وتشير تسريبات إعلامية إلى شبهات حول تورّط مقربين من المدعية في تسريب الفيديو، فيما ذكرت إذاعة الجيش احتمال أن تكون هي نفسها على علم بالتسريب.
يوم أمس الأربعاء، أعلنت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف-ميارا فتح تحقيق جنائي تديره الشرطة المدنية وليس الجيش، نظراً لأن الشبهات تتعلق بعناصر من النيابة العسكرية ذاتها. وأشارت إلى سببين أساسيين لهذا القرار، أحدهما المعلومات الجديدة التي جُمعت في الأشهر الأخيرة، وثانيهما الحاجة إلى الحفاظ على ثقة الجمهور بأن التحقيق يُدار خارج المنظومة المشتبه بتورطها في التسريب.
التحقيقات توسعت لتشمل وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب اليمين شاركوا في اقتحام القواعد العسكرية. وتم استدعاء كل من وزير التراث عميحاي إلياهو وتسفي سوكوت ونيسيم فاتوري للتحقيق بصفتهم مشتبهين.
بينما رفضوا المثول للتحقيق، واعتبروا ما يجري "ملاحقة سياسية لليمين"، في حين أكدت النيابة أن التحقيقات ستطال كل من حرّض أو تدخل لمنع العدالة.
تصف وسائل إعلام إسرائيلية، بينها موقع واينت، القضية بأنها "زلزال قانوني وأخلاقي"، لأنها تضرب صميم الثقة بين الجيش وجهازه القضائي، وتثير تساؤلات حول مدى استقلال القضاء العسكري ونزاهته.
كما يرى محللون أن الفضيحة تعكس عمق الانقسام داخل إسرائيل بين المؤسسة العسكرية التي تحاول تلميع صورتها أمام العالم، وبين قوى اليمين التي تحرض على تبرير الجرائم ضد الفلسطينيين ورفض محاسبة الجنود.