فلسطين أون لاين

إصابات في صفوف الأطفال شاهدة على موت آخر

20 ألف جسم غير منفجر بغزة.. قنبلة موقوتة تهدد حياة الأهالي

...
20 ألف جسم غير منفجر بغزة
غزة/ يحيى اليعقوبي

نور: في أثناء بحث طفلي وأبناء عمه عن حطب وقع انفجار كبير

الناجي: وجود صاروخ حربي ببيتي يمنعني من العودة

والدة الطفل "أبو حبيب": أصيب بحروق غطت 40% من جسده

الثوابتة: يوجد تنسيق ومطالبات رسمية للمؤسسات الدولية بإزالة التهديد بشكل عاجل

بمحيط مستشفى ناصر بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، وبينما كان الطفل مجد أبو حبيب، يلهو مع بعض الأطفال أمام خيمته وبجوار أكوام من الردم يمارسون لعبة الكرات الزجاجية التي يسميها الأطفال شعبيا "قلول" بعد عودته من مدرسة تعليمية يوم 23 أكتوبر/ تشرينال أول 2025، وقع انفجار كبير قادم من جهة الردم اشتعل الطفل بثوانٍ واحترق أمام عائلته التي سارعت لإخماد النيران ونقله للمشفى، أدى لإصابته بحروق بالغة غطت 40% من جسده، مع صعوبة تدفق الدم لأطرافه.

قبل حدوث الانفجار شاهدت العائلة والجيران، طائرة مسيرة من نوع "كواد كابتر" تلقي جسما مشبوها صغيرا مستطيلا، بحجم قلمين وبأسفله زر تفجير أحمر. لم ينتبه الجميع لأن يكون ذلك جسما متفجرا فرموه بين الركام، ورغم عبث الأطفال بالزر إلا أنه لم ينفجر حينها إلا بعد فترة وأثناء لعب الطفل بجوار الردم.

5771396930486340616.jpg

وتمثل مخلفات الحرب والقنابل غير المتفجرة، واحدة من أكبر المخاطر التي تهدد الأهالي في قطاع غزة، نظرا لانتشارها بكثرة في الشوارع وأسفل الركام وبين الرمال والأراضي وداخل البيوت، وبأحجام مختلفة وكميات كبيرة، بعضها تشبه علب المعلبات وأخرى بأشكال مموهة بحيث لا توحي بأنها متفجرات، عوضا على صواريخ الطائرات الحربية التي تزن اثني طن التي تشكل تهديدا أكبر، وتمنع سكان مربعات سكنية من العودة.

ونتيجة ضعف الإمكانيات وغياب المعدات اللازمة، تواجه الطواقم المختصة صعوبة في استخراجها، وتلبية مناشدات الأهالي التي لا تتوقف.

إصابات شاهدة على الجريمة

داخل مشفى ناصر، يرقد الطفل الذي كان يلقب "مهندس العائلة" في حالة خطرة، تغطيه الحروق، وتخشى عائلته أن تبتر أطرافه، بعدما كان يلهو ويلعب ويمارس طفولته التي سرقها الاحتلال، ليحرمه من اللعب والمذاكرة، ويعيش رحلة مريرة داخل مشفى يعاني من ضعف الإمكانيات الطبية.

وتقول أمه لـ "فلسطين أون لاين": "الطائرة ألقت عدة قنابل دخانية يومها، وبعد ثلاثة أيام وجد الأطفال الجسم المتفجر، وبسبب صغر حجمه رميناه، وهو بحجم قلمين. يوم الإصابة، عاد من المدرسة وصورت فيديو له، وكان سعيدا، وذهب للعب مع الأطفال، وخرجت في مشوار عائلي، لأتفاجأ بالانفجار والحروق من الدرجة الثانية والثالثة. يومها شاهده والده وعمه وجدته، يحترق، وحاولوا اطفائه بالماء والحرامات ونقلوه للمشفى".

وأضافت بصوت مليء بالقلق والخوف على حياة طفلها: "وضعه خطير وليس مستقرا، دمه ينزف، وهناك علامات ضعف حركة بالأطراف ونخشى سقوطها. مجد كان حيويا ولم ينقطع عن دراسته وألقبه بالمهندس، وكوني مدرسة لغة عربية، واصلت تدرسيه طوال الحرب، بأي ذنب يحرم من حلمه؟".

وفي شمال القطاع، ومع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، سارع هشام الناجي، لتفقد بيته تمهيدا لترتيبه لإعادة عائلته إليه، ورغم أن البيت كان متضررا إلا أن وجود أعمدة وسقف للمنزل المكون من طابقين وأدى القصف لتفريغ جدرانه، شجعه على القيام بأعمال تنظيف للركام، وبعد ساعات من العمل تعثر بصاروخ ألقت طائرة حربية غير منفجر بالطابق الثاني، وهو ما أرجأ العودة، وامتد الحال على بقية الجيران الذين لم يعودوا للمنازل لوجود نفس التهديد.

ويحكي الناجي لـ "فلسطين أون لاين": "لم أجد سوى غرفتين وأسقف متشققة، كان الردم يغطي الصاروخ، وأثناء إزالة الركام تفاجأت به. منذ أكثر من أسبوعين تواصلت مع طواقم الإنقاذ لكن لم يأتِ أحد حتى الآن. وجود الصاروخ يشكل كابوسا ويحد من عدم قدرتنا على العودة إلى البيت، بالتالي توقفت عجلة الحياة بالمنطقة إلى حين إزالة التهديد".

أما محمد نور، فسارع في يوم إعلان وقف إطلاق النار للعودة لنصب خيمته بشارع النصر غرب مدينة غرة بالغرب من مشفى الشفاء، وفي اليوم التالي أحضر أطفاله وبقية أفراد عائلته، وفيما طلب من أبنائه البحث عن أخشاب وقطع نايلون لإعداد وجبة طعام، وأثناء ابتعاد الأطفال لعشرة أمتار بمحاولة البحث بين ركام أحد البركسات، حدث إنفجار كبير لم يرَ سوى سحابة دخان تغطي المنطقة.

يروي نور لـ "فلسطين أون لاين" ما حدث قائلا: "طلبت من ابني زين الدين (13 سنة) وأبناء عمه وابن شقيقتي البحث عن حطب، وأثناء البحث وقع الانفجار، رأيت ومضيا كبيرا بفعل الانفجار والغبار غطى المنطقة، لم أر الأطفال. دخلت داخل السحابة، عثرت على أحدهم فوق السور من شدة الانفجار، ومندفعين عن بعضهم عدة أمتار، وكلما كنت أجد طفلا منهم كنت أرسله للمشفى مع أحد الأقارب. ونتيجة عن الانفجار إصابة الأطفال الخمسة بجروح وشظايا".

5771396930486340618.jpg

عن شكل الجسم المتفجر، ينقل عن أطفاله، بأنهم شاهدوا رأسا خرطوميا، ثم حدث الانفجار، وأضاف: "الانفجار أدى لإصابتهم بجروح وشظايا تغطي كامل جسدهم، بعض الشظايا دائرة صغيرة. منذ الانفجار نتنقل من مشفى لآخر في ظل ضعف الإمكانيات الصحية. تعطل مصدر رزقي وتعطلت حياتنا وتحولت العودة من فرحة غمرتنا إلى كابوس يثقل قلوبنا".

وفي 14 أكتوبر/ تشرين أول 2025، انفجر جسم مشبوه، بالطفلين نور الدين (15 سنة) وشقيقه (جود 8 سنوات) الجيار، معتقدين أنه ألعاب نارية، أدى الانفجار لبتر مقدمة أصابع اليد اليسرى لنور، وإصابة شقيقه بشظايا بالبطن والصدر.

نزحت العائلة من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، هربا من جحيم الحرب والقصف، واعتقدت أن شلال الدم النازف توقف مع إعلان وقف إطلاق النار، ولم تدر أن الدماء ستنزف من يدي طفليها.

وتقول والدة الطفلين لصحيفة "فلسطين": "الجسم المتفجر مستطيل الشكل لكنه بحجم اليد، أدى الانفجار لبتر مقدمة أصبع الإبهام والسبابة باليد اليسرى، وجرح بيده اليمنى مليئة بالقطب الجراحية، وشقيقه جود مصاب بمنطقة البطن، وأصيب معهم ثلاثة أطفال آخرين.

تهديد خطير

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي يوجد 20 ألف جسم متفجر لم ينفجر بعد بغزة، ويؤكد المدير العام للمكتب إسماعيل الثوابتة، أن هذه الأجسام المتفجرة منتشرة في الأحياء السكنية المدمرة، وبين المنازل والأراضي، وتشكل تهديدا مباشرا وخطيرا على حياة المدنيين، خصوصا الأطفال والعمال والمزارعين الذين يتحركون بين الأنقاض أو يحاولون استصلاح أراضيهم.

وقال الثوابتة لـ "فلسطين أون لاين": "كل هذه القنابل محرمة دوليا، وتحتوي على مواد شديد الانفجار يمكن أن تبقى فاعلة لسنوات طويلة، ما يجعلها قنابل موقوتة، تهدد السلامة العامة وتعيق جهود إعادة الإعمار وعودة الأهالي لمنازلهم، وقد سجلت بالفعل العديد من الحوادث والانفجارات الناتجة عن تلك المخلفات، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من المواطنين وخاصة الأطفال".

وحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة المستمرة، كونها تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، مؤكدا، أن استمرار وجود المخلفات يشكل تهديدا دائما للأهالي ويعرقل عملية إعادة الإعمار.

وحول التواصل مع جهات مختصة لإزالة التهديد، أكد وجود تنسيق ومطالبات رسمية مستمرة من الجهات الحكومية المختصة في غزة مع المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أجل حصر القنابل غير المنفجرة والعمل على إزالتها بشكل عاجل.

ورغم الجهود المحدودة لبعض الفرق المحلية المدعومة دوليا لإزالة التهديد، إلا أن حجم الدمار ونوع الذخائر المستخدمة يتطلب تدخلا دوليا واسعا ومنظما، مع توفير المعدات والتقنيات والخبرات اللازمة لتأمين المناطق المتضررة، وفق الثوابتة.

المصدر / فلسطين أون لاين