في الوقت الذي يطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحاته المتكررة بأنه: لا وجود لضم إسرائيلي رسمي للضفة الغربية، تنشغل "مجالس المستوطنات" بتنفيذ مخططات توسعة للمستوطنات القائمة عبر "ضم غير معلن" لآلاف الدونمات الفلسطينية.
ولوحظ ميدانيا تسارع وتيرة البناء الاستيطاني منذ قدوم الحكومة المتطرفة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يخضع لإملاءات اليمين الإسرائيلي المتطرف؛ خشية انهيار حكومته ومحاكماته بملفات فساد.
ومثالا، شهدت مدينة الخليل أكبر مدن الضفة من حيث السكان والمساحة وتشكل نحو ثلث مساحة الضفة، خلال عام 2025 وضع حجر الأساس لبناء حي استيطاني جديد في محيط مستوطنة "كريات أربع"، والاستيلاء على منازل فلسطينية في قلب المدينة بالإضافة إلى مصادرة آلاف الدونمات الزراعية لصالح البؤر والمستوطنات الإسرائيلية.
توسعة للمستوطنات
وبحسب رئيس بلدية سعير موسى فروخ فإن البلدة الواقعة شمال شرق مدينة الخليل، تشهد منذ عدة شهور اعتداءات استيطانية ضد المواطنين ومنازلهم والتجمعات البدوية والأراضي الزراعية.
وأوضح فروخ أن هذه الاعتداءات تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة متمثلة بنصب المستوطنين بيوت متنقلة وإقامة حظائر أغنام عدا عن القيام بأعمال حفر وشق طرق التفافية؛ تمهيدا لإقامة بؤر استيطانية محاذية للمستوطنتين "أصفر" و"بني كيدم".
وأكد في حديثه لـ "فلسطين أون لاين" أن الاحتلال يهدف أيضا من وراء مخططاته إلى شق طريق استيطاني يخترق أراضي بلدتي سعير والشيوخ ليربط بين المستوطنتين المقامتين على أراض مصنفة ضمن المنطقة الفلسطينية "ج"، وهو ما يعني مصادرة فعلية لأزيد عن 400 دونم من الأراضي الفلسطينية.
وذكر أن هذه الاعتداءات والمصادرات تشمل بلدتي سعير والشيوخ وتحديدا "جورة الخيل"، ادي سعير، وجبل حمروش والمناطق المحيطة بهما؛ بهدف تحقيق المخطط الأكبر المتمثل بربط المستوطنات والبؤر الاستيطانية بمستوطنة "كريات أربع" وقطع أوصال الطرق والأحياء الفلسطينية.
وكانت سلطات الاحتلال أصدرت قرارا في يوليو الماضي بالاستيلاء على 5000 آلاف دونما من أراضي مدينة الخليل؛ "لأغراض عسكرية".
وفق قواعد بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فإنه منذ مطلع العام 2025 أصدرت سلطات الاحتلال ما مجموعه 40 أمرا عسكريا لأغراض وضع يد على الأراضي الفلسطينية، أدت 11 منها لإقامة مناطق عازلة حول المستعمرات تهدف إلى منع المواطنين من الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي بحجة قربها من تلك المستعمرات.
وتطرق فروخ إلى اعتداءات المستوطنين ليلا ونهارا تحت حراسة جيش الاحتلال ضد المواطنين ومنازلهم وأراضيهم الزراعية ما تسبب بتهجير أزيد عن 43 أسرة من سكان البلدة ومحيطها عن منازلها قسرا.
وليس هذا فحسب، بل قدر بنحو 90 بالمئة من أشجار الزيتون في البلدة إما أحرقت أو قطعت أو سرقت ثمارها من قبل المستوطنين الذين يعربدون في المنطقة التي حولها جيش الاحتلال لـ"منطقة عسكرية مغلقة".
مخططات قديمة جديدة
ووفق الناشط في مقاومة الاستيطان أحمد جرادات فإن الهدف الإسرائيلي من وراء الأعمال الاستيطانية في بلدتي سعير والشيوخ هو تحقيق فصل للبلدات الفلسطينية وربط المستوطنات الإسرائيلية بمستوطنة "كريات أربعة" والمنطقة الصناعية فيها.
وأشار في حديثه لـ "فلسطين أون لاين" إلى إغلاق الاحتلال جميع طرقات ومداخل شمال الخليل بالمستوطنات والطرق الاستيطانية، مستدلا بالمرور من شمال الخليل إلى بلدة حلحلول فيكون المرور إما عبر بوابة أو حاجز أو شارع التفافي.
ورأي جرادات أن الخليل نموذج كباقي محافظات الضفة التي تشهد مخططات بناء استيطاني وفصل للترابط الفلسطيني، مؤكدا أن وتيرة الاستيطان تضاعف خلال الأشهر الأخيرة مع عودة مخطط "ضم الضفة".
ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، نفذ المستوطنون 7154 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم بالضفة خلال عامي 2024- 2025 كما أقاموا 114 بؤرة استيطانية.
وهذا ما قاد المختص في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش إلى أن "الضم" أصبح واقعا ميدانيا دون إعلانا رسميا، مشيرا إلى أن الاحتلال و"مجالس المستوطنات" استغلا انشغال العالم بحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة للقيام بهجمات استيطانية كبيرة.
وقال حنتش لـ "فلسطين أون لاين": هذا لا يعني أن الاحتلال ليس لديه مخططات قديمة، بل إنها ممتدة منذ عام 1967، تتصاعد تارة وتنخفض تارة أخرى؛ بهدف استكمال مخططات هيكلية بغرض توسعة المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية.
وأشار إلى أن الاحتلال يتعمد إفراغ جميع البلدات والقرى المحيطة بالمستوطنات وتهجيرهم إلى التجمعات السكنية، تمهيدا لضم الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنات الإسرائيلية.
وكان وزير المالية في حكومة الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش، أعلن عزم (تل أبيب) ضم 82٪ من مساحة الضفة، في خطوة عملية لمنع تطبيق ما يسمى "حل الدولتين".
وتمهيدا لضمها، تكثف سلطات الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من ارتكاب جرائم بالضفة الغربية بينها هدم منازل وتهجير فلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتوسيع وتسريع البناء الاستيطاني.
وتشير بيانات حركة "السلام الآن" الحقوقية إلى أنّ الضفة والقدس المحتلتين تضمان 146 مستوطنة و224 بؤرة استيطانية غير مرخصة (134 بؤرة + 136 مزرعة رعوية).

