أعاد التحقيق الاستقصائي الذي بثّه برنامج "ما خفي أعظم" الضوء على حجم الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة على مدار العامين الماضيين، كاشفًا عن تورط مباشر لقادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين في إعطاء أوامر بارتكاب عمليات قصف واستهداف ممنهجة ضد المدنيين، شملت استخدام أسلحة محرّمة دوليًا وتدميراً واسعاً للبنية التحتية، ما يُعدّ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
التحقيق الذي أثار صدى واسعًا في الأوساط الحقوقية والإنسانية، عرض وثائق وشهادات مسرّبة من داخل القيادة العسكرية الإسرائيلية، تثبت إصدار أوامر باستهداف مناطق مأهولة بالسكان، دون مراعاة للتمييز بين المدنيين والمقاتلين، في مخالفة صارخة لاتفاقيات جنيف.
كما كشف التحقيق عن مداولات داخلية في مجلس الحرب الإسرائيلي تُظهر تعمّد القيادة "استخدام القوة المفرطة لتحقيق الردع عبر الإبادة"، بحسب ما ورد في الوثائق المعروضة.
في هذا السياق، قال أستاذ القانون الخاص في الجامعات الليبية الدكتور راقي المسماري، إن ما كشفه التحقيق "ليس جديدًا في سلوك الاحتلال، لكنه يؤكد الطبيعة الممنهجة لجرائمه التي تُرتكب بدم بارد وبغطاء سياسي وعسكري أميركي واضح".
وأضاف المسماري لـ "فلسطين أون لاين": "منذ احتلال فلسطين، لم يتورع الاحتلال عن ارتكاب الفظائع، بينما ظلّ المجتمع الدولي عاجزًا عن محاسبته، بل وكأنه منحه ضوءًا أخضر للاستمرار في القتل والتدمير دون رادع قانوني حقيقي."
وأوضح أن مسؤولية هذه الجرائم لا تقع على عاتق (إسرائيل) وحدها، بل تمتد إلى الولايات المتحدة الأميركية التي توفر لها الحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن والدعم العسكري اللامحدود.
وأكد أن على الحقوقيين العرب والدوليين "أن يتوجهوا بمذكرات اتهام مباشرة ضد الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وحتى أمام القضاء الأميركي، باعتبارها شريكًا أساسيًا في هذه الجرائم".
وشدّد المسماري على أن جرائم الاحتلال في قطاع غزة تمثل نمطًا متكررًا من جرائم الإبادة الجماعية، مشيرًا إلى أن ما جرى خلال العامين الماضيين من استهداف للمنازل والمستشفيات والمدارس والملاجئ، واستشهاد آلاف الأطفال والنساء، "يؤكد نية الإبادة الواضحة، وليس مجرد أعمال عسكرية عرضية".
ودعا إلى تحريك دعاوى قضائية عربية ودولية ضد قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين، مستشهدًا بسوابق قانونية لمحاكمات مشابهة جرت في البوسنة ورواندا، وقال: "المطلوب أن يتحرك الضمير العالمي، وأن يُطلق حراك شعبي دولي يطالب بحماية الشعب الفلسطيني، على أن تتوسع التظاهرات في العواصم العربية والأوروبية للضغط على الحكومات كي تتبنى موقفًا قانونيًا حازمًا ضد هذه الجرائم."
ويُجمع خبراء القانون الدولي أن المعطيات التي كشفها "ما خفي أعظم" تشكل أدلة دامغة يمكن البناء عليها لفتح تحقيقات جنائية دولية ضد قادة الاحتلال بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في وقتٍ تتزايد فيه الدعوات لرفع الحصانة السياسية عن (إسرائيل) وإنهاء الإفلات من العقاب المستمر منذ أكثر من سبعة عقود.

