فلسطين أون لاين

تقرير غزة تحت الركام.. مدينةٌ بلا مأوى ولا ماء

...
صورة تعبيرية
غزة/ أدهم الشريف:

في قلب مدينة غزة، حيث كانت الحياة تنبض بشوارعها الضيقة وأسواقها القديمة، أصبحت الأبنية أنقاضًا، والشوارع ممرات مغطاة بالغبار والركام، والناس أصبحوا هائمين في العراء دون مأوى أو شربة ماء نظيفة.

فقدت المدينة التي تعد عاصمة القطاع الساحلي وأكثر مدنه ازدحامًا بالسكان، مقومات الحياة الأساسية بفعل حرب الإبادة إسرائيلية، والتي دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي أجزاء واسعة من الأحياء السكنية فيها، ولم يتبقَ ما يشير إلى أن هذه المناطق كانت ذات يوم مأهولة بالسكان.

في شوارع المدينة، تتناثر الكتل الخرسانية وكأنها شواهد على حياة كانت هنا، لا مياه صالحة للشرب، ولا شبكات صرف صحي بقيت على حالها، ولا بيوت سليمة تُفتح أبوابها مجددًا، فيما لم يجد غالبية المواطنين لاسيما العائدين من النزوح القسري إيواءً لهم، وكانت قارعة الطريق والمدارس المكتظة بأصحاب المنازل المدمرة، ملاذًا أخيرًا.

وسط هذا الخراب، تتجلى المأساة في قصص العائلات التي فقدت كل شيء. عائلة محمد أبو علي، من حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، كانت تملك منزلاً من ثلاث طبقات يسكنه الأب وأبناؤه المتزوجون وأحفاده. في إحدى الليالي، حول قصف جوي إسرائيلي البناء إلى كومة كبيرة من الركام.

نجا أفراد العائلة بأرواحهم، لكنهم خرجوا بملابس النوم فقط، هكذا قال أبو علي لـ"فلسطين"، وبدا غاضبًا من الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية.

منذ ذلك اليوم، يعيش أبو علي وأفراد عائلته، في ساحة مدرسة حكومية بلا أبواب مغلقة أو فراش كافٍ. يضيف: إنهم "يتشاركون برميل مياه ملوثة مع عشرات الأسر، وإن الأطفال مرضى بسبب العطش والتعرض المستمر للغبار."

وتعمد جيش الاحتلال تدمير الأحياء المدنية وتغير معالم مناطق سكنية بالكامل، ضمن ما أسماع عملية "عربات جدعون" في جزئها الثاني، والتي انتهت بدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، بعد عامين من القتل والتدمير والتهجير.

لم تقتصر الحرب على تدمير منازل المواطنين وتجريفها بالكامل، بل إن جنود الاحتلال اتخذوا من بعض منازل المواطنين ثكنات عسكرية، أحرقوها قبل انسحابهم، والتهمت ألسنة النيران كل شيء فيها.

هذا ما حصل تمامًا في منزل المواطن محمد إسماعيل في حي الشيخ رضوان. يقول لـ"فلسطين": "أجبرنا الاحتلال على ترك منازلنا تحت عمليات القصف الجوي والمدفعي، واضررنا إلى النزوح جنوب وادي غزة، لكننا عندما عدنا فوجئنا بحرق منزلنا (مكون من 4 طوابق)، بالكامل."

"الجنود الإسرائيليون لم يحرقوا منزلنا فحسب، بل حرقوا قلوبنا وذكرياتنا وكل شيء جميل في حياتنا. لم تترك النيران أي شيء، حتى براميل المياه التهمتها." أضاف إسماعيل بحسرة، وقد بدا منهكًا من أعمال التنظيف بينما غطى وجهه غبار أسود.

غياب الإيواء ليس مجرد فقدان للسقف بل انهيار لمنظومة الحياة كاملة، حيث تتجلى مأساة النازحين في البحث عن خيمة صغيرة ودورة مياه وشربة ماء.

بين أنقاض منزله في منطقة الكرامة شمال غرب مدينة غزة، حاول الشاب تامر شرف، البحث عن بعض الأخشاب وقطع البلاستيك، لتجهيز وجبة الطعام لأبنائه، لم يجد أمامه سوى بقايا الأثاث الذي كان يملكه، من أجل الطهي والتدفئة.

عندما أشعل النيران، تصاعد منها دخانًا أسودًا، أُضيف إلى هواء مثقل بالغبار ورماد الحرب.

أما المياه الصالحة للشرب، فهي نادرة إلى درجة أن بعض العائلات تمشي لساعات للحصول على بضعة لترات لا تكفي ليوم واحد، كما قال شرف.

وعلى الرغم من الكارثة، يتشبث المواطنون بما تبقى لهم من أمل، يحاول بعض الآباء ترميم زوايا مدمرة لتصبح مأوى مؤقتًا، بينما تبحث الأمهات عن أي قطعة قماش تصلح كستار يحفظ شيئًا من الخصوصية، فيما الأطفال يلعبون بين الحجارة المحطمة غير مدركين حجم الفقد، لكنهم يعانون من سوء التغذية، وقلة المياه، وتفشي الأمراض الجلدية والتنفسية.

يبدو قطاع غزة، منطقة جغرافية محاصرة بركام الحرب، ورغم التحذيرات المحلية والدولية من إمكانية تفاقم الأوضاع الإنسانية، إلا أن جيش الاحتلال يواصل منع إدخال المعدات اللازمة لفتح الطرق وتأهيل الحياة المدنية، وسط مخاوف شديدة من تفاقم تداعيات الحرب وكوارثها.

المصدر / فلسطين أون لاين