رغم التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي المعروف، استطاعت المقاومة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، الاحتفاظ بأسرى الاحتلال خلال الحرب عبر مزيج من السرية الميدانية، والانضباط التنظيمي، والتكتيكات الأمنية المتقدمة.
اعتمدت المقاومة على شبكات أنفاق واسعة تحت الأرض لتأمين تنقل الأسرى وإخفائهم، ما جعل من الصعب على جيش الاحتلال وكل الإمكانيات التكنولوجية الهائلة المتوفر لديه تتبع أماكنهم بدقة رغم استخدام الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة.
استخدمت المقاومة وسائل اتصال بديلة وغير إلكترونية لتجنب التنصت، وحافظت على انضباط أمني صارم منع التسريب حتى تحت ضغط الحرب والقصف، ما جعل من عملية تحديد أماكن الأسرى مهمة شبه مستحيلة رغم القدرات التقنية الإسرائيلية.
وأوكلت كتائب القسام مهمة تأمين الأسرى لوحدة الظل التي نجحت في مهمتها ولم يتمكن الاحتلال من التوصل إلى أي من الأسرى لديها، حتى مع العدد الكبير الذي أسرته المقاومة في عملية "طوفان الأقصى"، والذي تجاوز 230 أسيرًا.
إنجاز نوعي
الخبير العسكري يوسف الشرقاوي، أكد أنه رغم امتلاك دولة الاحتلال واحدة من أقوى المنظومات الاستخباراتية والعسكرية في الشرق الأوسط، فإن المقاومة نجحت خلال عامين من الحرب في قطاع غزة في تحقيق إنجاز نوعي يتمثل في الحفاظ على الأسرى الإسرائيليين وإخفائهم عن رصد الاحتلال، معتبرًا ذلك فشلاً استخباراتيًا صريحًا وتحديًا أمنيًا متواصلًا لـ(إسرائيل).
وقال الشرقاوي في حديثه لصحيفة "فلسطين": "إن "الأحداث الأخيرة أظهرت فشل جهاز الشاباك ووحدات الاستخبارات العسكرية في تتبع مصير الأسرى الإسرائيليين، رغم عمليات التوغل الواسعة في القطاع واستخدام أحدث التقنيات، من طائرات مسيرة وأنظمة مراقبة دقيقة.
وأضاف أن هذا العجز أضر بصورة دولة الاحتلال أمام الرأي العام الداخلي، الذي كان يراهن على قدرة دولة الاحتلال في "إعادة الجنود" كأحد الأهداف الرئيسية للحرب.
وأوضح الشرقاوي أن ما قامت به المقاومة يعكس تطورًا لافتًا في بنيتها الأمنية واحترافيتها الميدانية، مشيرًا إلى أنها تمكنت من إخفاء الأسرى في بيئة مدمرة ومشبعة بالتقنيات الإسرائيلية وتحت وطأة القصف المتواصل.
وأشار إلى أن ذلك النجاح يدل على وجود شبكة أنفاق فعالة، وانضباط ميداني صارم، ووعي أمني متقدم مكنها من سد أي ثغرات محتملة أمام الاختراق الإسرائيلي.
ولفت الخبير العسكري إلى أن هذا الملف يظهر أن المقاومة لا تزال تملك ورقة ضغط قوية تمكّنها من فرض شروط سياسية وإنسانية في أي اتفاق مقبل، معتبرًا أن قدرة المقاومة على الحفاظ على الأسرى ُعد امتدادًا لنجاح صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، مع الإشارة إلى اختلاف وتعقيد الظروف الحالية بشكل كبير.
وبين أن هذا الفشل الإسرائيلي تسبب بأزمة داخلية عميقة داخل حكومة الاحتلال، خاصة في ظل تعهدات نتنياهو المتكررة بإعادة الجنود، وهذا الإخفاق قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات السياسية وفتح باب المساءلة أمام المؤسسة الأمنية والعسكرية بعد انتهاء الحرب.
واعتبر أن نجاح المقاومة في إخفاء الأسرى، رغم التفوق التقني والعسكري الإسرائيلي، ليس مجرد إنجاز أمني فحسب، بل تطور استراتيجي يعكس النضج والاحتراف الذي بلغته فصائل المقاومة، موضحًا أن هذا الملف قد يكون من أبرز أدوات الضغط في مرحلة ما بعد الحرب، وورقة حاسمة في صياغة مستقبل العلاقة بين الاحتلال والمقاومة.

