فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*﴿أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُم ظُلِموا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* }الحج39

*محرقة غزة: ملحمة النار والصبر*

في غزة، حيث الأرض تتنفس دم الشهداء والسماء تصرخ وجعًا لا ينتهي، يولد الصبر الأعظم. ليس هناك موت فحسب، بل تحطيم لأمل أمة كاملة في الحرية والكرامة. وسط الرماد والدخان، تُخطّ على جبين هذه الأرض ملحمة لا تُمحى من ذاكرة التاريخ: شعبٌ لا يُقهَر، لا يستكين، لا يرضخ للظلم مهما احتدم؛ يحمل في صدره إيمانًا لا ينطفئ وعزيمةً لا تلين، ويردد عاليًا حق الحرية الذي لا تسقطه أسلحة الظالمين ولا جبروت المحتلين.

غزة ليست أرضًا تُحرق فقط، بل روح تشتعل، قلب ينبض بالثورة، وعين لا تغفل عن وعد الله: {ألا إنّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ}.

تواصل طائرات الإبادة المسعورة نحر الأبراج والبيوت والمخيمات، لكن أصوات الأهالي ارتفعت متحدية الركام: "مش طالعين… مش طالعين!" في أقل من أسبوع، أصبح عشرات الآلاف بلا مأوى، بعدما فقد أكثر من خمسين ألف إنسان بيوتهم، ودُمرت بنايات شاهقة ومتوسطة وخيام، إضافة إلى مدارس ومساجد. إنه عدوان يفتح أبواب الجحيم، لكنها رغم لهيب النار تقف شامخة، تُعلن أن الأرض لا تُغادر أهلها، وأن الدم المسفوك سيُثمر غدًا حرية لا تُقهر.

ملاحقة شعبنا بالقتل والتدمير والإبادة الجماعية، والتي يشاهدها العالم عبر البث المباشر، اعتداء صارخ على قدسية النفس البشرية التي حرمها الله: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32). فضلاً عن كونه اعتداءً على حقّ شعبنا في الحياة الكريمة على أرضه، التي شرفه الله تعالى بالرباط فيها. وقد قال النبي ﷺ: "زوال الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم." فحرمة الدم، والمال، والعرض، قدس لا يجوز انتهاكه.

الحرية ليست منّة من طاغٍ أو محتل، بل حق أصيل. الدفاع عنها حدّ الشهادة عن الدين، والأرض، والعرض، والنفس، والمال؛ وبهذا تُبنى الأمم وتُنصَر القضايا. أما حرية الشعوب واستقلالها، فهي نعمة من الله، ولا يحق لأحد أن يسلبها أو يمنع إقامة دولتنا المستقلة كاملة السيادة. وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟"

لذلك، فإن الدفاع عن الحرية واجب، ليس فقط في مواجهة المحتل الصهيوني، بل أيضًا في مواجهة أي عدوان على الحرية من أي جهة كانت، حتى لو كان من مسلم أو عربي أو فلسطيني. ومن يسلبنا حريتنا، فإن مقاومتنا له حق مشروع، كما قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ۞ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} (الحج: 39-40).

ربنا يحرم علينا الاستسلام الذليل، وينادينا: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (آل عمران: 195). فالقتال إذن مشروع ومبارك، والنتيجة مضمونة: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} (الحج: 40).

هذا هو فعل النبي ﷺ، الذي أُخرج من داره فكتب الله عليه القتال، ووعده بالعودة فاتحًا، محررًا، منتصرًا: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (القصص: 85).

إن محرقة غزة، في أحد أشكالها، نكبة جديدة؛ نُخرج نحن الناجون من المحرقة من بيوتنا إلى مراكز النزوح، إلى خيام مهترئة، ويتجدد مشهد النكبة مع الأجداد والآباء. لكن الفارق اليوم أننا نقاتل، في ملحمة العبور المجيدة في 7 أكتوبر وما بعدها، نقاتل بأنفسنا، لا يوجد وكيل، لا جيوش عربية، وإنما نحن، نحيي قضية شعبنا، قضية اللاجئين، قضية القدس، وكل قضايانا.

لدينا الحق المطلق، مهما أصابنا من بأساء وضراء، ومهما أحرقت المحرقة الأخضر واليابس، ألا نيأس، وألا نستسلم، وأن نصبر ونحتسب، وأن نستمر في المقاومة، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (الأنفال: 44).

فلنتمسّك بالثبات، ونحفظ كرامتنا، ونعلن للعالم أن الشعب المحاصر لن يختزل وجوده في الخوف أو الخضوع. سنستمر في المقاومة المشروعة، في الدفاع عن الأرض والحق، نُنقّح العزم ونصقل الإرادة، محتسبين الأجر، متوكلين على الله، مؤمنين أن الظلم زائل وأن النصر آتٍ لا محالة: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ}.

اللهم ثباتًا من عندك، وارفع عنا البلاء، وارزقنا الصبر والكرامة، والنصر المبين، كما وعدت عبادك الصابرين.

المصدر / فلسطين أون لاين