فلسطين أون لاين

فيلم "صوت هند رجب" متى يلامس نخوة المعتصم؟!

بقيت صَوت المرأة التي صرخت من عمق قهرها: "وامعتصماه"، إلى يومنا هذا؛ لأنها لامست نخوة المعتصم. واليوم صرخة الطفولة الغارقة في القهر والألم، الطفولة التي هرست عظامها صواريخ الألف رطل الأمريكية، الطفولة التي جاوزت العشرين ألفًا قتلًا، من أدنى عمر لها في بطن أمها إلى أعلاه، الطفولة التي تقطعت أوصالها ووصلت ضعفي هذا العدد، ما بين ضرير ومقطوع طرف أو الأطراف كلها، الطفولة التي تهتكت نفسيتها أكثر مما تهتك جسدها، ومن نجا من هذه لم ينجُ من تلك.

خرجت اليوم صرخة الطفولة المفرومة لحمًا وعظمًا وروحًا في ماكينة الموت الصهيوني على شكل فيلم، فيلم سينمائي علّه يلامس نخوة المعتصم. كان للصرخة وحدها لطفل واحد أن تصل، وكان لصورة واحدة لطفل يخرج جسده مقطعًا من تحت الأنقاض أن تصل، تكررت الصرخة والصورة ستين ألف مرة ما بين ذبيح وجريح، ومع كل هذا لم تصل.

ثم إن أهل الفن أرادوا أن يوصلوها عبر فنهم الجميل، فَكَثّفوها في قصة واحدة، وهي قصة هند رجب، ثم حوّلوها إلى عاصفة قوية تجتاح المشاعر وتهزها من جذورها. هذه المرة وصلت عالم المشاعر وقامت بجهد مشكور، ولكنها بعدُ لم تصل عالم النخوة.

ماذا علينا أن نفعل حتى نصل إلى نخوة المعتصم بعد أن أصبحت في سبات عميق، إن لم تكن غارقة في موت قديم؟ فنُهزّها هزة توقظها أو تحييها. لقد أصبح واضحًا أن المشكلة في هذه الأيام هي في نخوة المعتصم التي غربت شمسها ولم تعد تشرق، ولا حتى نخوة أبي جهل التي ما كان لها أن لا تستجيب إلى صرخة طفولة غزة الذبيحة.

لقد التقط جماعة الفن – مشكورين – تلك اللحظة التي كتب لها أن تصل مسامع الناس عند موظفة الهلال. فماذا عن الذين سُحقوا أو حُرقوا أو أصابتهم قذائف الموت ورحلوا بصمت؟ هناك آلاف مثل هند رجب، وقد يكونون في حالة قاتلة صاعقة مثلها وزيادة.

ماذا عن طفل أحاطه الردم من كل جانب ولم تتمكن طواقم الإسعاف من الوصول إليه؟ كيف قضى ساعاته أو أيامه الأخيرة وهو يموت جوعًا وعطشًا وقهرًا، يستغيث ولا أحد يسمعه؟ كيف مات طفل متلازمة داون أمام أمه وكلبهم يلتهمه قطعة قطعة، والجنود يقهقهون ويتلذذون بهذه الملهاة؟ كيف وكيف… لكل طفل ذبيح في غزة قصة مثل قصة هند رجب.
وحتى من لم يصلهم الموت بعد فقد عاشوه مرات ومرات. وقصص الجرحى، ومن اضطر الأطباء إلى إجراء عمليات بتر للأطراف دون مخدّر… هل لنا أن نصور فيلمًا لطفل مرّ بهذه التجربة؟ وماذا عن الطبيب الذي يقوم بهذه العملية مضطرًا، كيف تضطرب مشاعره؟ وما حجم الألم الذي يعتريه وهو يقوم بهذا العمل المريع؟

ما خرج من قصص أطفال غزة قليل من كثير غيّبه زخم الأحداث وقسوة المشهد الاحتلالي الفظيع. الفيلم عمل عظيم، وهو خطوة مهمة لفضح هذا النازي المحتل، وطريقة مهمّة لإيصال جوهر القضية الفلسطينية بكل أبعادها السياسية والإنسانية والأخلاقية.
ولكن يبقى السؤال مفتوحًا: متى يلامس نخوة المعتصم؟

المصدر / فلسطين أون لاين