فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

﴿*يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾* مريم 12

غزة… يا أيقونة المجد في زمن الانهيار، يا جوهرة التاريخ التي لم يُصغ مثلها في أي صفحة من صفحات الجهاد، يا من نفضت عنك غبار الخوف، وارتقيت في ليل العالم الكالح، تحمّلين لواء الطوفان، {الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} كما حمله نبي كريم.

انفجرتِ في وجه الطغيان شعلةً من نور، ألسنة نارٍ تتراقص في الأفق، وأقسمتِ على العهد ألا تعودي إلا منتصرة. تخطيتِ ذاتك، تخطيتِ تاريخك، تخطيتِ جراحك، وقدمتِ للعالم ملحمةً تُكتب بالدم الطاهر، نسجتِ للأمة قرآنًا من صبر وثبات، وجسدتِ آية الأحزاب {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} حيّة نابضة في كل حارة، في كل شقّة، في كل غرفة، في كل زاوية منكِ.

نزلتِ في محرقتك زلزلة عظيمة… وقفتِ في وجه البأساء والضراء، لكنك لم تنكسري، لم تنحني، بل ازددتِ يقينًا بوعد ربك، تمسكتِ بالنور وسط الركام، ورأيتِ النصر يتسلل في شقوق الظلام، تنتظرين وعد الله العام {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ} النور 55، والوعد الخاص {لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الإسراء 7.

الطوفان في حسابات البشر، مجنونة… لكنها قدرٌ إلهي على موعد، "ليقضي الله أمراً كان مفعولا". لتبدأ ساعة الحقيقة، وينكشف الزيف، وتبدأ الرحلة إلى المسجد الأقصى، لا كرمى للعيون، بل بأمر السماء. وأنت تحترقين على مهل، تحرقين أوهام العدو، توقظين ضمير البشرية، تُحرجين الغافلين والغارقين في نعيم الذل، ترتقين إلى ذروة سنام الإسلام، وتمهدين الطريق لوعد لا يُخلف… بنصر من الله وفتح قريب.

فأخذتِ الكتاب بقوة، فاستحققتِ التمحيص والتمكين، وها أنتِ، رغم الجراح، تكتبين نهاية الطغيان، وتغيّرين وجه العالم.

غزة… تفوقت على روايات الجهاد كلها، تفوقت على ذاتها وتاريخها، أخذت بالطوفان {الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} مريم 12، وانطلقت لمواجهة غير متكافئة، تشعل شرارة حرب التحرير، يصحبها إيمان مطلق بقدرها، وتضحية عزيزة بأغلى ما تملك: نساء، أطفال، رجال… خيرة أبنائها. مقدمة نموذجًا فذًا من {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} الأحزاب 23.

أصابها القرح، أصابها البأساء، أصابها الضراء… وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، وبقي ظنهم بربهم خيرًا {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} الأحزاب 10، في انتظار وعده العام والخاص، مؤمنين أن الحق لا يضيع، وأن الظلم لا يدوم.

جاء طوفان الأقصى {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ} طه 40، يبدو للبشر تهلكة حتمية… لكنه قدر الله النافذ، ووعده الصادق {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} الحج 40. أزال عصابات الإبادة، كشف وجهها الحقيقي، وسقطت في القيم والإنسانية والقانون، وانكشفت الغثائية في الأمة، وعورة النظام الدولي في الزمن الأمريكي.

واليوم ببطء، بدأت مفاعيل المحرقة تُغيّر كل شيء… تشكل الرأي العام العالمي، بصمود أسطوري لغزة العزة، التي أخذت {الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} مريم 12، محققة وعد الله بمحق الظالمين المحتلين {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} آل عمران 141. وختامها {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة 214، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} الروم 4، {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} الصف 13، {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} يوسف 21. فيتغير وجه المنطقة والعالم.

وتظل غزة… في صمودها وجهادها، رمزًا حيًا للكرامة، نورًا يتحدى الطغيان، وبشيرًا بأن نصر الله قريب، وأن التحرير قادم، وأن القلوب المؤمنة ستفرح يومًا بالانتصار الحاسم… لتظل قصتها ملحمة لا تُنسى، أسطورة تُروى عبر الأجيال، شاهدة على عظمة الإرادة، جلال الإيمان، وعظمة الحق في مواجهة الظلم والطغيان