المشهد يتكرر مرة أخرى، بل مرات كثيرة بنفس الطريقة، استهداف للصحفيين، وفرق الدفاع المدني، والأطقم الطبية تحت (ذرائع عدة) لخداع العالم عبر تصدير الأكاذيب، والهدف واضح هو تهشيم غزة وكسر شوكتها، وإذلالها، وتعذيب كل من يصمد فيها أو يبحث عن الحياة، والانتقام بقوة غاشمة من أي شخص كان يمكنه أن يبادر لأي عمل إنساني سواء كان هذا العمل في مجال نقل الحقيقة، أو إنقاذ الجرحى وتقديم العلاج لهم، أو أي عمل إنساني وأخلاقي، هو يريد اغتيال وقتل كل شئ وفي المقدمة من ذلك اغتيال وقتل كل الحقائق في غزة.
هو في صراع مع الوقت ويشعر بالخوف والارتباك من تمدد الصورة ووصول الحقيقة لكل العالم، ويسابق الزمن لمنع هذا التدفق غير المسبوق للصورة؛ لأن ذلك يؤثر وبشكل كبير على مكانته أمام الأمم، ويفضح روايته، ويكذب كل الأسانيد التي يقدمها ليبرر جرائمه وسلوكه المتوحش، ويرفع من مستوى الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني و(مظلوميته التاريخية) ويعزز من موقعه ويدعم حقوقه المشروعة في مواجهة هذا الاحتلال الدموي، فيما يزيد من عزلة الاحتلال، و يجعله في مصاف "الدول المارقة"، التي ترتكب جرائم الإبادة بل تتورط في مختلف جرائم الحرب دون أدنى مراعاة: للقيم، أو القوانين، أو الأعراف، أو المعاهدات، ..الخ الدولية التي تنظم سلوك الدول وتمنعها بل وتقيدها من ممارسة جرائم حرب ضد الأبرياء وفي المقدمة منهم الفرق الصحفية وفرق الإنقاذ والكوادر الطبية وغيرهم.
لكن في كل مرة وعلى الرغم من حساباته الدقيقة فإنه يقع في شر أعماله، على الرغم من فارق الامكانات والتجهيزات والدعم الذي يتوفر لماكينة الاحتلال لإنتاج الأكاذيب إلا أنها تبقى عرجاء بل تنهار في الساعة الأولى وكأنها تسير (بلا ساقين)، وينكشف كذبه أمام العالم وحتى قبل ذلك أمام جمهوره الداخلي، بينما تطير الحقائق من قلب غزة محلقة في فضاء بدون حدود أو قيود لتخبر العالم عما يحدث في غزة، وهذا سبب مباشر للتأييد والتضامن الدولي المتزايد مع الفلسطينيين وتحديدا مع أهلنا في قطاع غزة، هذه الصورة كانت ثمرة تضحيات عظيمة لا يمكن ترجمتها بمجرد كلمات؛ لأن أبطالها لم يكتفوا بتقديم الوقت والجهد بل قدموا في سبيلها أرواحهم ابتغاء مرضاة الله ثم خدمة لهذه القضية المقدسة التي تستحق منا الكثير.
نعم رحل هؤلاء الشهداء الأبطال من قلب مشفى ناصر ومن قبل في مشفى الشفاء ومن قبل في مناطق عدة داخل قطاع غزة، لكن تركوا لنا "ميراث عظيم" من الحقائق الحية الموثقة التي لا يمكن أن تموت لتبقى شاهدة على جرائم الاحتلال المروعة، فهي أدلة دامغة على تورطه، وتاريخ لا يمكن نسيانه ليبقى محفورا في ذاكرة الاجيال، وهي خطوة على طريق محاسبة الاحتلال وملاحقة قادته، حتى ولو ظن البعض أن هذا الاحتلال لا يمكن محاسبته، فإن التصميم والنضال من أجل الحقوق لا يعرف اليأس والإحباط والاستسلام، والعدالة قادمة لا محالة، ما دمنا مؤمنين بالله سبحانه وتعالى ومقتنعين أن الاحتلال إلى زوال، رحم الله شهداء الحقيقة وصبر ذويهم، وعوضهم وعوض شعبنا خيرا في هؤلاء العظماء الذين رفعوا شأن فلسطين وقضيتها ودفعوا في سبيل ذلك أغلى ما يملكون، وثبت زملاءهم وأحبابهم من خلفهم وأعانهم على مواصلة المسيرة.

