فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_عن_محرقة_غزة

*"ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله"* (فاطر: 43)

على هذه الأرض التي باركتها السماء، وشهدت آلاف السنين من التاريخ والحضارة، يقف الاحتلال الصهيوني وجهاً لوجه مع الحق، يمدّ يده الملطخة بالدماء ليقضم حلم فلسطين. يبني المستوطنات كأنيابٍ حادة تنهش جسد الوطن، يشق الطرق كجروحٍ غائرة في قلب الأرض، يزرع الحواجز كسلاسل ثقيلة تكبّل الحرية، ويقتلع حياة الفلسطينيين من جذورها في مشهد يومي يفيض قهرًا وظلمًا لا يُطاق.

حكومة الاحتلال صادقت على مشروعها الأخطر "E1" شرق القدس، لتشيّد آلاف الوحدات السكنية وتربط المدينة بسلسلة استيطانية محكمة، ممزقة الضفة الغربية إلى أشلاء، وجاعلة حلم الدولة المستقلة سرابًا يتلاشى كلما امتدت يد المستعمر على الأرض. ومنذ عام 2004، توسعت مستوطنة معالي أدوميم بين القدس وعناتا وأبو ديس والعيزرية، ابتلعت آلاف الوحدات، أقامت فنادق وجامعات وحدائق ومكبات نفايات، وكأن الأرض لم تكن يومًا إلا ملكًا للمغتصب، وكأن الفلسطيني ليس إلا ظلًّا يائسا بلا حق أو حلم.

وفي القدس، تتواصل جريمة التهويد: بيوت تُهدم، هويات تُسحب، مستوطنات تزحف حول المدينة كأغلال خانقة، حتى يصبح حلم العيش في العاصمة الفلسطينية مقيدًا بقيود الاحتلال. أما في الضفة الغربية، فالمشهد لا يختلف: جبالها تعلوها بؤر استيطانية، مداخل مدنها مُغلقة بالحواجز، طرقها مُشوّهة بالتفافات قسرية، لتتحطم حياة الناس ويذوب الأمل كما يذوب الملح في الماء. المستوطنات ليست عمرانًا عابرًا، بل مشروع اغتيال للهوية والثقافة والوطن، مشروع يحوّل الشعب الفلسطيني إلى جزر معزولة خلف الجدران والأسلاك، يختنق فيها الأمل وتُحاصر الكرامة.

لكن الاحتلال لم يكتفِ بجرائمه في الضفة والقدس، بل امتدت يده الدموية إلى غزة، حيث المحرقة مستمرة: أطفال يُدفنون تحت الركام، عائلات تُمحى عن الوجود، ومستشفيات تتحوّل إلى مقابر. وما بين حصار غزة وإبادتها وتجريف مخيمات شمال الضفة وتشريد أهلها، يتجلى وصف القرآن: "الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق" (الحج: 40)، وكأن الآية نزلت لتصف حال شعب يُقتلع من أرضه ويُهجّر من بيوته، لكنه يظل شامخًا، راسخًا كأشجار الزيتون في جذور الأرض.

الاستيطان والقتل والاقتلاع ليسوا سياسات متفرقة، بل حلقات متشابكة في مشروع واحد: محو الوجود الفلسطيني من جذوره. وما يجري اليوم ليس سياسة عابرة، بل جريمة ضد الإنسانية وتهديد وجودي لشعب بأكمله. المجتمع الدولي لا يملك ترف الصمت أو الاكتفاء ببيانات الشجب، بل هو مدعو إلى الانتفاض أخلاقيًا وقانونيًا، إلى فرض العقوبات وردع الاحتلال، إلى دعم الشعب الفلسطيني في دفاعه المقدس عن أرضه وكرامته، وإلى إعادة الأمل في أفق سياسي عادل يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة، متصلة، كاملة السيادة.

إن استمرار الاستيطان يعني استمرار القهر، وتصاعد العنف، وانعدام العدالة، لكنه مهما اشتد لن يقتل الأمل. فلسطين باقية، والأرض باقية، والحلم باقٍ. في كل حجر يُهدم يولد حجر جديد في جدار الصمود؛ في كل هوية تُسحب تنبض هوية أعمق في وجدان الأمة؛ في كل دم يُسفك تكتب الأرض عهدها بأنها لن تنحني إلا لأهلها.

آن الأوان لكل الشرفاء والأحرار أن يقفوا مع فلسطين، أن يرفعوا الصوت عاليًا، أن يضغطوا على الحكومات والمؤسسات، أن يكونوا جزءًا من قوة الحق التي لا تنكسر. فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل قضية إنسانية كبرى، تمتحن الضمير العالمي وتكشف من يقف مع الحرية ومن ينحاز للظلم.

"ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله"… وعدٌ ربّاني يفضح مصير الاحتلال ومكائده. ما بُني على باطل مصيره الزوال، وكل جدار يرفعه المستوطن سيقع عليه، وكل خريطة يرسمها لاقتلاع الفلسطيني ستنقلب إلى شهادة على جرائمه. مكر الاستيطان، ومكر التهويد، ومكر الإبادة، كله إلى زوال أمام شعب يتجذر في أرضه كزيتونة لا تموت. فلسطين ستبقى لأهلها، والأمل سيبقى في قلوبهم، مهما طال الليل ومهما تكاثر الطغاة، والحق، وإن تأخر، لا بد أن يعود لأصحابه.

المصدر / فلسطين أون لاين