فلسطين أون لاين

عقب إعلان الأمم المتحدة المجاعة في غزة

مراقبون: الإعلان جرس إنذار تاريخي ومسؤولية عاجلة على المجتمع الدولي

...
مراقبون: الإعلان جرس إنذار تاريخي ومسؤولية عاجلة على المجتمع الدولي
غزة/ رامي رمانة

إن إعلان الأمم المتحدة دخول غزة رسميًا في مرحلة المجاعة ليس حدثًا عابرًا في الخطاب الإنساني، بل يمثل نقطة تحول مفصلية في تاريخ الأزمات بالشرق الأوسط.

فالإعلان جاء وفق معايير صارمة يحددها "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي" (IPC)، الذي لا يستخدم مصطلح "المجاعة" إلا عند تجاوز ثلاثة مؤشرات خطيرة: أن يعاني أكثر من 20% من السكان من نقص حاد في الغذاء، وأن تتجاوز نسب سوء التغذية الحاد 30% بين الأطفال، وأن تصل معدلات الوفيات اليومية إلى مستويات مرتفعة مرتبطة بالجوع أو الأمراض الناتجة عنه.

بهذا المعنى، فإن إعلان المجاعة في غزة هو اعتراف رسمي بأن الأوضاع الإنسانية قد بلغت أقصى درجات الخطورة، وأن حياة أكثر من مليوني إنسان باتت مهددة بشكل مباشر. ولأنه الإعلان الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يشكل سابقة تاريخية مأساوية تؤكد أن غزة لم تعد تواجه "أزمة إنسانية" فقط، بل كارثة وجودية تهدد بحدوث وفيات جماعية إذا لم يتحرك المجتمع الدولي على نحو عاجل وحاسم.

من منظور اقتصادي، يوضح الإعلان أن دورة الإنتاج المحلي في غزة – من زراعة وصيد وتجارة – قد توقفت عمليًا، ما جعل السكان يعتمدون بالكامل تقريبًا على المساعدات الخارجية. غير أن ما يتم إدخاله عبر المعابر لا يغطي سوى نسبة محدودة من الاحتياجات اليومية، فضلًا عن أنه يواجه عراقيل وتأخيرات تجعل الاستجابة غير فعالة. وهذا ما يدفع المراقبين إلى التأكيد على أن ما بعد الإعلان يجب أن يكون مختلفًا تمامًا عما سبقه.

يرى المحلل الاقتصادي خالد أبو عامر أن إعلان المجاعة يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية مضاعفة، تتجاوز مجرد إرسال شحنات غذائية محدودة عبر المعابر. ويقول: "ما يجري اليوم يتطلب خطة استجابة طارئة واسعة النطاق. المطلوب هو فتح ممرات إنسانية آمنة ودائمة، سواء عبر البحر أو الجو أو بإشراف مباشر للأمم المتحدة، حتى نتجاوز العراقيل السياسية والأمنية التي تعرقل وصول المساعدات."

ويضيف أن استمرار الوضع الراهن سيكون له كلفة اقتصادية مضاعفة في المستقبل، إذ إن "إعادة بناء مجتمع خرج من المجاعة ومعالجة آثاره الاجتماعية والنفسية ستكلف المجتمع الدولي أضعاف ما يكلفه التدخل الفوري الآن". ولهذا يشدد أبو عامر على أن التحرك العاجل ليس خيارًا إنسانيًا فقط، بل ضرورة اقتصادية لتقليل الخسائر البعيدة المدى.

أما الخبير الاقتصادي محمد سكيك، فيرى أن الكميات التي تدخل غزة عبر المعابر "لا تكفي بأي حال"، فهي بالكاد تغطي جزءًا من احتياجات السكان. ويقول: "إعلان المجاعة يفرض على المجتمع الدولي أن ينتقل من مرحلة البيانات والمناشدات إلى فرض آليات ملزمة لضمان تدفق المساعدات بشكل واسع ومنتظم."

ويؤكد سكيك أن المنظمات الإنسانية مطالبة بإنشاء مراكز تغذية علاجية عاجلة للأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، باعتبارهم الأكثر عرضة للوفاة في هذه المرحلة. كما يشدد على أن الأزمة لا يمكن معالجتها عبر المساعدات وحدها، بل لا بد من مواجهة الأسباب الهيكلية، وعلى رأسها الحرب والحصار. ويضيف: "طالما أن القيود المفروضة على الغذاء والدواء والوقود مستمرة، فإن المجاعة ستبقى قائمة حتى لو استمرت القوافل في الدخول بشكل متقطع."

ويُجمع الطرفان على أن إعلان الأمم المتحدة للمجاعة في غزة هو جرس إنذار غير مسبوق، يفرض على العالم التحرك الفوري لوقف كارثة إنسانية تهدد حياة الملايين. وأن المطلوب ليس فقط إدخال الغذاء والدواء، بل فتح ممرات إنسانية مستدامة، وتوفير حماية قانونية لتدفق المساعدات، والضغط السياسي لرفع القيود التي أدت إلى هذا الوضع.

وحذروا من أن التأخر في الاستجابة يعني مضاعفة الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وتحويل غزة إلى سابقة مأساوية في القرن الحادي والعشرين، حيث يموت الناس جوعًا أمام أعين العالم، ما يجعل من التحرك العاجل مسؤولية إنسانية وأخلاقية وقانونية لا تحتمل التأجيل.

 

المصدر / فلسطين أون لاين