فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

‏*إِنَّهُم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدْنَاهُمْ هُدًى*       الكهف 13

في خانيونس، حيث تراب الأرض يئن تحت وقع الخطى، وحيث السماء تكاد تخنقها دخان المعركة، انطلقت ملحمة لا تنسى. لم يكن ما جرى مجرد حادثٍ عابر، بل زلزالٌ هزّ رواية الاحتلال في أعماقها، ارتد صداه مدوّيًا في ميادينه العسكرية، وارتعش إعلامه المأزوم، محاولةً التغطية على انكشافه بادعاءات كاذبة ومقاطع مفبركة.

حتى في لحظات الارتباك، حين بثّ العدو مشهداً يائسًا لا يُعرف أصله من فصله، أبى الله إلا أن تُفضَح أكاذيبه، فخرج مقطعٌ يصوّر رجال الله وهم ينسحبون بخطوات واثقة، يعلوهم العزّ والفخر، في صورةٍ تسحق رواية الاحتلال الكاذبة. كانت ضربة قاسية في توقيت بالغ الحساسية، لم تهزّ ميدان العدو فحسب، بل فضحت هشاشته أمام الحقائق الناصعة، وأثبتت أن الكلمة الحية والصورة الصادقة أقوى من أزيز الرصاص.

وذاك الحافي الكفين، الدامي القدمين، هو "داوود" الذي حسبناه يومًا خيالًا في أساطير البطولة، فإذا به يتجسد حيًّا في شوارع غزة، منقوشًا على جدران الركام، نازفًا من حجارة البيوت، يعلو فوق الألم، أسمى من أن توصف به الأساطير، يزرع المجد من تحت الأنقاض، ويخط ملحمةً للخلود؛ يتنفس الإيمان، وينطق اليقين، ويقبل على الشهادة كمن يقبل على العرس.

تسمع نَفَسه يرتل الآيات خشوعًا، وتراه يُنفق من روحه وهو الجائع، ويستغفر في ليلٍ لا نجم فيه إلا صبره. هو جندي الله الذي لم يُستبدل، المختار لمعركة السماء على أرض الأنبياء، المُحب في الجهاد، المتبتل في القتال، الذي أحبه الله فاصطفاه. فإذا هو البشارة والآية والوعد والرجاء. وإن رأيته في غزة، فقد رأيت وجه التاريخ المقبل، وقد أشرق من ترابٍ مقدس يُنبت النصر، وها هو قد اقترب.

حافي القدمين ودامي الكفين، الذي غنينا له كأسطورة تخيلية، فإذا هو متجسد في طوفان ومحرقة غزة. ها هو العالم يراه في خانيونس وبيت حانون والشجاعية ورفح وجباليا والزيتون، وفي كل مدينة وقرية وخربة وشارع وزقاق وبيوت وركام، يصعد للعلياء، مقدّمًا النموذج الأكثر من أسطورة، مشرفًا {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} الكهف 13.

 

تسمعه من وحي كلماته المليئة بالإيمان واليقين والثقة المطلقة بوعد الله، والشعور النفسي العميق الذي بداخلهم أن الله استعملهم ولم يستبدلهم، وهذا شرف في هذه المعركة المقدسة.

يتسابقون للشهادة، يقسمون الحلوى فرحًا واستبشارًا بوعد الله، تراهم يقاومون بحب، يجاهدون بشغف، يستبشرون بأمل، يؤمنون بيقين، ويقدمون أفضل ما عندهم في تنافس محمود. وانتماؤهم في كل ذلك خالص لله لا لغيره. يقدمون عملهم العظيم الجليل خالصًا لوجهه الكريم، ويرجونه القبول، ولا يرجون أو ينتظرون غيره.

هم الذين تسمعهم يترنمون خشعًا بآيات الله تعالى، ويتورعون عن ممتلكات الناس فيحرمون على أنفسهم لقمة وهم الجوعى، وهم "المستغفرون بالأسحار" {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران 148، حيث فيهم تجتمع خصال الخير والتقوى التي تؤهلهم للجهاد، ذروة سنام الإسلام، وفي الأرض المقدسة، وفي مواجهة يهود.

 

وهم الذين ناداهم ربهم في خضم المعركة فاستجابوا: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون ويُقتَلون، وعدًا عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} التوبة، 111

إنهم نحسبهم والله حسيبهم، الذين توعد الله بهم يهود: {لِيَسُوؤُوا وَجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الإسراء 7، وهم بشارة رسول الله ﷺ، أبناء الطائفة المنصورة، "الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم وهم على الحق"، إنهم وعد الله القادم لتحرير الأرض المقدسة {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ص 88.

المصدر / فلسطين أون لاين