ما أقدمت عليه "وحدة تطوير المناهج" في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في كل من غزة والضفة، حين عقدت اجتماعًا لورشة عمل في أكتوبر من العام الماضي، يظهر عدداً من التعديلات المقترحة التي ناقشها المجتمعون في المناهج التعليمية لطلاب مدارس "أونروا" في غزة والضفة، في المواد الدراسية مثل اللغة العربية، والإنجليزية، والمواد الاجتماعية، والتربية الإسلامية، والرياضيات، والعلوم.
فالتعديلات التي تجاوزت الخمسين تعديلًا تبين أنها تحمل مضمونًا سياسيًا بالدرجة الأولى، حيث تم حذف خارطة فلسطين التاريخية من كل المنهاج، وحذف القدس العاصمة واستبدالها بأي مدينة أخرى، واستبدال أسماء المدن المحتلة، وعدم ذكر قضايا الجدار والهدم والأسرى.
لم يتوقف الأمر عن هذا الحد بل إن الرئاسة العامة لوكالة الغوث في عمان أرسلت للمقر الإقليمي في قطاع غزة والضفة الغربية تطلب تحليل المنهاج الفلسطيني من حيث ثلاث قضايا رئيسة وهي "العنف-الجندر-الحيادية"، وبعدها أجرت تحليلًا آخر للمنهاج وأرسلت لغزة نشرات خاصة تحتوي على تفاصيل لحذف وتعديل بعض الموضوعات التي يتم تدريسها في مواد (التربية الإسلامية، والرياضيات، والتنشئة الوطنية، واللغة العربية) للصفوف من الأول حتى الرابع للمرحلة الأساسية الفصل الدراسي الثاني من العام 2017 كمرحلة أولى والمرحلة الإعدادية والثانوية كمرحلة ثانية.
كما أن التعديلات طالت إنكار يوم الأسير وعدم ارتباط منطقة الأغوار بفلسطين، وحذف التراث الفلسطيني، وزج فكرة الاختلاط بين الجنسين في كل المواضيع حتى تلك التي تناقش التراث الفلسطيني. إضافة لذلك شملت كثير من المواضيع خرائط تاريخية لفلسطين والتي لا تستخدم في سياق تاريخي، وكذلك استخدام الأسماء التاريخية للمدن الفلسطينية، في سياق غير تاريخي.
حتى كلمة فلسطين _التي وردت ضمن الإشارة لخريطة فلسطين للتوضيح_ شملها التعديل باستبدالها بكلمة يقطين "مثلاً" مع حذف الخريطة، وفي مثال آخر استبدال الجملة التي تقول "القدس عاصمة الدولة الفلسطينية" بعبارة "القدس هي مدينة مقدسة لكل الديانات الإبراهيمية".
عذر أقبح من ذنب في تبرير الفضيحة بأن الطريقة الجديدة لـ"أونروا" في التعامل مع القضية قد تمت الموافقة عليها من قبل دائرة التعليم التابعة للأمين العام للأمم المتحدة، دون إعلام الطرف الفلسطيني الرسمي ممثلا في وزارة التربية والتعليم أو السلطة الفلسطينية بصفة عامة، وعندما احتج اتحاد معلمي الوكالة، أنه لا يحق للوكالة التعديل أو التدخل في المناهج، وهو خروج عن دورها الأساسي كمطبق للمنهاج في الدولة المضيفة، هددت إدارة الوكالة المعلمين والمشرفين بأن كل من لم يلتزم بالخطة الجديدة سيجري تحويله إلى التحقيق وصولًا للفصل النهائي من الخدمة.
فلا يحق لوكالة الغوث إضافة أي تعديل على المنهاج الفلسطيني وهي في كل الدول المضيفة تلتزم بالمناهج في الأردن وسوريا ولبنان وبالتالي عليها الالتزام بالمناهج في الأراضي الفلسطينية. والواضح أن "أونروا" خضعت للإملاءات ونفذتها من خلال تشويه المناهج الفلسطينية بحذف كل ما هو وطني ووضع بديل يتحدث عن قضايا عمومية بعيدًا عن الوضع والبيئة الفلسطينية، رغم ادعائها الحيادية، لكن هذا الموقف يؤكد أنها تتخذ منحى بعيدًا عن الحيادية من خلال حذف كلمات مثل الاحتلال والأسرى والقدس، وهو ما يحتاج إلى وقفة حقيقية ضد إجراءاتها.
اللافت للنظر أن التعديلات يتم تطبيقها بسرعة متناهية، فتطبقها الآن على الفصل الثاني الجاري على أن يتم تجهيز التعديلات للفصل الأول خلال العام القادم، لأنها تدرك أن التأثير يبدأ من المراحل الدنيا، وأن تغيير المنهاج يؤثر سلبًا في تنشئة الجيل الفلسطيني خاصة أن الوكالة تستوعب أعدادًا كبيرة من طلاب المرحلة الأساسية، وسيكون هناك اختلاف كبير بين ما يدرسه الطالب في مدارس الحكومة والطالب في مدارس "أونروا"، وهذا شيء لن تقبل به الوزارة وحتى أولياء الأمور".
فلتعلم "أونروا" أن عقول أطفالنا ليست ملكًا للوكالة ولا يحق لها أن تشكل عقولهم وتنشئتهم وفق سياستها"، يذكر أنها ليست المرة الأولى التي عمدت فيها وكالة الغوث لتمرير قضايا ذات أبعاد سياسية، فقد ألغت مادة حقوق الإنسان وقررت في الأردن إعادة تدريس ما يسمى بالمحرقة اليهودية "الهولوكوست"، لطلاب مدارسها من اللاجئين الفلسطينيين في عام 2012مم، كما أخفت خريطة فلسطين التاريخية في إحدى مدارس "أونروا" في قطاع غزة سابقاً في أثناء زيارة قام بها الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، في تموز من العام الماضي ما أثار حالة من الغضب الشعبي على إدارة المنظمة الدولية، وما يؤكد أنها تعمل وفق سياسة متحيزة للاحتلال.