قائمة الموقع

أمة بلا معركة… وقضية بلا ظهير!

2025-08-09T13:31:00+03:00
فلسطين أون لاين

فلسطين لم تكن يوما ضحية الاحتلال وحده، بل كانت وما زالت ضحية تواطؤ عربي رسمي ممتد، تارة بالصمت، وتارة بالتماهي مع المشاريع الاستعمارية، واخرى بالمشاركة المباشرة في اضعاف القضية وتصفيتها.

التاريخ مليء بالشواهد التي لا يتسع المقام لسردها، لكنها حاضرة في الذاكرة الفلسطينية، منذ النكبة وحتى اليوم لعبت انظمة عربية دورا محوريا مكّن المشروع الصهيوني من تثبيت اقدامه وتوسيع خططه، دول كانت يوما في طليعة المواجهة تحولت الى بوابة للتطبيع، وممرا الزاميا لوساطات تنتهي دوما بتكريس واقع الاحتلال، واخرى ربطت مصيرها الامني به، وباتت علاقاتها الامنية والاقتصادية معه اعمق من اي وقت مضى.

منذ اللحظة التي منح فيها العرب الغطاء السياسي للغرب لتقسيم المنطقة، كانت ملامح التخلي عن فلسطين قد بدأت، والنكبة ثم النكسة لم تكن احداثا معزولة، بل نتيجة تفاهمات سرية وعلنية، وبمرور الوقت تقلصت مساحة الفعل العربي، حتى باتت انظمة عربية ترى في الاحتلال ضمانا لاستقرارها، فتعاملت معه كحليف، لا عدو.

ولا يمكن اعفاء قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من مسؤوليتها عن هذا الواقع، يوم اخرجت قضية فلسطين من اطارها الاوسع، وجعلتها قضية فلسطينية محضة، فأعفت الانظمة من مسؤوليتها التاريخية، واتاحت لها التذرع بان "الصراع" شأن فلسطيني خالص، تحول جاء بدفع مباشر من عواصم عربية سعت للتخلص من عبء المواجهة، فداعبت أحلام الطامحين بدويلة وسجادة حمراء ومسميات، فوقعوا في فخ اعد لهم بإحكام، فعزلت القضية عن عمقها الاستراتيجي، ومنحت العرب مخرجا مريحا للتنصل من التزاماتهم، واتاح للاحتلال مواجه شعب محاصر بلا ظهير حقيقي.

ثم راينا دول اختارت ان تكون راس الحربة عبر التطبيع، وبينما كانت غزة تحرق، واطفالها يموتون جوعا او تحت الركام، كانت تمنح الاحتلال شرعية سياسية واقتصادية وامنية، مسار لم يكن وليد ضعف مؤقت، بل استراتيجية طويلة الأمد، بدأت بتقسيم فلسطين، ثم كرست مع كل هزيمة عربية في حروب وهمية، وتعمقت بتحالفات امنية واقتصادية برعاية امريكية، فتحولت فلسطين الى ملف ثانوي يقايض مقابل حماية الأنظمة، وتدفق الاستثمارات والسلاح الذي لم يُستخدم يوما الا لقتل العرب.

العدوان على غزة كان اختبارا فاضحا لهذه الحقائق، فحرب الابادة والتجويع مرت امام اعين عواصم العرب دون ان تحرك فيهم نخوة او حمية، وجاءت الردود ببيانات وقمم بلا قرارات او نتائج، وما مواصلة توقيع الصفقات الكبرى والاضخم في تاريخ التعاون الاقتصادي مع الاحتلال في ذروة العدوان الا دليلا اضافيا على رداءة الواقع العربي.

بالمقابل، فالشعوب العربية على النقيض تماما، ترفض التطبيع وتعتبره خيانة، لكن بين وعي الشارع وارادة الحاكم فجوة تدار بالقمع، خشية ان تتحول الميادين الى ادوات ضغط، فالعدوان كشف حجم الشراكة غير المعلنة؛ من اغلاق المعابر، الى الإغاثة الوهمية، والتنسيق الامني المباشر، ما جعل بعض العواصم جزءا اصيلا من منظومة الحصار، حتى وان حاولت تغليف ذلك بذرائع السيادة او التوازنات.

خرج المشهد من الغرف المغلقة الى العلن؛ اعلام ترفرف، اتفاقيات، وعلاقات دبلوماسية، يوم كانت غزة تتعرض للإبادة، والقدس تهود، والضفة تغرق في وحل الاستيطان، فلو فتحت المعابر بلا قيود، او اوقف النفط عن مصانع الغرب، وجمدت الاستثمارات والاتفاقيات، لوجد الاحتلال نفسه في عزلة، لكنها خطوات تصطدم بإرادة سياسية غائبة او منقادة للغرب.

وباستمرار هذا النهج، فالخطر لا يقتصر على فلسطين وحدها، لان المشروع الصهيوني لا يقف عند حدود فلسطين، ونجاحه في فرض التطبيع الكامل يعني اعادة رسم خريطة النفوذ والهوية في العالم العربي، والغرب يقرأ هذا الصمت كضوء اخضر للمضي في مخططاته، ويرى ان الانظمة التي تصمت اليوم ستتنازل اكثر في الغد، فالتاريخ يعلمنا ان من يبيع القدس سيبيع عواصم أخرى.

ومع ذلك، ما زالت هناك فرصة لتغيير المسار ان توافرت الإرادة، فالقدس وغزة وجنين ليست مجرد جغرافيا فلسطينية، بل مفاتيح لصورة المنطقة ومستقبلها، وفلسطين لا تحتاج لعبارات تضامن موسمية، بل الى قرارات جريئة تربط مصير المنطقة بمستقبل القدس، وتجعل من الحقوق العربية في فلسطين بنودا غير قابلة للمساومة، اما دون ذلك، فان اي ثناء على مواقف العرب لن يكون الا غطاء اضافيا لاستمرار حرب الإبادة.

اخبار ذات صلة