فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً* الأحزاب9

*غزة تُعيد تلاوة الأحزاب*

كان تحريض يهود أساس محنة الخندق والأحزاب ضد مدينة رسول الله ﷺ، حين جمعوا الأحزاب على خندق واحد بعشرة آلاف مقاتل. واليوم، يتكرّر المشهد، حيث يقف يهود على رأس أحزاب العصر، يقودون محرقة غزة، مصداقًا لقوله تعالى: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ} [الأحزاب: 10]. وكما اختار النبي ﷺ التخندق لحماية المدينة، اختارت غزة تخندقها في أنفاقٍ بطولٍ يتجاوز 365 كم، أي أطول من مساحتها.

في المدينة، وعلى مدار ستة أيام، كان كل عشرة من الصحابة يحفرون أربعين ذراعًا ومعهم النبي ﷺ، لإغلاق الجبهة بالخندق. وفي غزة، وعلى مدار سنوات الحصار العجاف، حفرت بدمها وأظافرها أنفاق العز والثبات، وقدّم المئات أرواحهم في سبيل ذلك.

تحمّل النبي ﷺ الجوع الشديد حتى ربط الحجر على بطنه، ودعا: "اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب، اهزمهم وشتّت شملهم". وهذا الدعاء هو ما ترفعه غزة اليوم ليلًا ونهارًا، منذ أن جاء كبير الأحزاب، بايدن، ليبارك على كتف رئيس عصابات الإبادة، ومعه حلف من أحزاب الغرب، فيما تقف غزة وحدها في مواجهة محرقة العصر.

واجه النبي ﷺ وأصحابه الجوع والبرد حتى ربطوا الحجارة على بطونهم، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. وغزة تواجه المجاعة والبرد والأوبئة والموت لأطفالها وأهلها، وتثبت بالمقاومة والتحصّن بخندقها. كما كان الصحابة يدنون ويهتفون: "نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا"، فإن شباب غزة البواسل يقدمون أسطورة مقاومة وثبات أذهلت العالم وسطرت ملحمة عز وفداء:

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]،

{وَقَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب: 22].

في غزة، لا يسقط الناس جوعى عبثًا، بل تُنسج مأساتهم في غرف سوداء يديرها تحالف صهيوأمريكي جعل من الخبز سلاحًا، ومن الطحين فخًا، ومن المساعدات قبورًا جماعية. إنها "هندسة التجويع" — سلاح إبادة ناعم بوجه جهنمي، هدفه كسر الإرادة لا فقط الأجساد.

على مدار 18 عامًا، خاضت غزة ملحمة الصمود. حفرت أنفاق الحياة، زرعت فوق الرماد غذاء الكرامة، وبنت اقتصادًا مقاومًا في وجه حصار أراد لها الموت جوعًا لا قتالًا. وكما ثبت أهل مكة في شِعب أبي طالب، وكما صمدت هافانا، ثبتت غزة، تقاوم بكل ما تملك: بسلاحها، بترابها، بأمهاتها، بأطفالها الذين يركضون خلف كيس طحين كما يركض المقاتلون خلف رايتهم.

لكن المجاعة هذه المرة ليست ظرفًا عابرًا، بل جريمة مكتملة الأركان. يُقتل الناس عند أبواب "المؤسسات الإنسانية" الكاذبة، بإشراف أمريكي، ودم فلسطيني مسفوك. تسقط المعونات من السماء لتسحق اللاجئين في خيامهم، في مشهد يليق بنهاية العالم، لا بإنقاذه.

ومع ذلك، لم تنكسر غزة. من رحم الجوع، خرجت انتفاضات الخبز، ومن تحت القصف، وُلدت الأسواق الشعبية والمخابز المنزلية وكرامة يومية. إنها ليست فقط مدينة تحت الحصار، بل أيقونة تحوّل المجاعة إلى مقاومة، والموت إلى ولادة متجددة.

الرد ليس بإسقاط سلال الإغاثة من السماء، بل بإرادة حية: افتحوا المعابر، أدخلوا الشاحنات، حاكموا القتلة، وساندوا غزة لا بالدموع بل بالفعل.

غزة لا تطلب الشفقة، بل العدالة. لا تستجدي الحياة، بل تصنعها من تحت الركام. إنها لا تجوع، بل تُجَوّع عمدًا، لا تموت، بل تُقتل بتواطؤ. لكنها، رغم كل شيء، لن تنكسر.

ويوم الأحزاب، ألقى الله الرعب في قلوب الكافرين:

{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} [الأنفال: 12]،

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]،

وانتهى المشهد بقول الله تعالى:

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25].

وهكذا، والله أعلم، سيكون الأمر في غزة. فالله سيردّ الأحزاب في مشهدٍ أسطوري، وعلى أعتاب غزة ستسقط طغمة الإبادة، وستُهزم قوى الظلم والطغيان:

"لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده."

بل وأكثر من ذلك، ففي يوم الأحزاب، بَشَّر النبي ﷺ: "أضاء الله لي قصور فارس والشام واليمن." إنها بشارات الفتح والتمكين:

{إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160]،

وقال ﷺ: "بعد اليوم نغزوهم ولا يغزونا، والآن نسير إليهم ولا يأتون إلينا."

وغزة، رغم ما فيها من جراح وآلام، تحمل هذه البشارة لفلسطين، بأنها على أعتاب الفتح والتحرير:

{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13].

إنها سنن الله في الصراع بين الحق والباطل.

لا تمكين إلا بعد ابتلاء، ولا أمن إلا بعد فزع. فكما اجتمعت قوى الأحزاب من الخارج والخيانة من الداخل يوم الخندق، وبلغ الخوف ذروته، جاء بعد ذلك نصرٌ مبين، وفتحت أعظم الإمبراطوريات. فالدين باقٍ لا يُهزم، والسؤال الأهم: أين موقعك من هذا الصراع؟

المحرقة غيّرت مجرى الحياة في غزة، وربما ستغيّر وجه العالم. التحديات التي نواجهها — الجوع، البرد، المرض، النزوح، الألم، الشهادة — كلها صدمات تستدعي استجابة إيمانية إنسانية جمعية. إنها فرصة للارتقاء والإيثار، وللإنقاذ والصمود بإبداعٍ متجدد.

ننتصر على هذا التحدي القاسي بحسن الظن بالله: "ما أصابك لم يكن ليخطئك"، وبالسكينة، وبذل الجهد، والشجاعة مهما كانت النتائج. فالمحن تشكل الشخصية، وتصنع الثبات والنجاح. كما ورد في كتاب "أراك على القمة"، فالتحديات تصنعنا.

نواجه محرقة غزة بالعمل لا باليأس:

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]،

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح: 7]،

{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 8]،

{وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94].

فالإيمان في غزة عمل، والحركة تولد فقهًا، وكل موقف يطرح أسئلة نوازل فقهية جديدة: عن الشهداء المقطّعين، المفقودين، الجوع، انعدام الأكفان، السرقة، الصلاة، الطهارة، والعيش في مراكز النزوح.

الحركة بركة نفسيًا وطبيًا، والتحدي يولّد العمل، والعمل يولّد الأمل. واليأس هزيمة، لكننا شعب لا يُهزم:

{وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87].

العمل يبشّر بالفرج، ويزرع الأمل، ويفتح أبواب الحياة المخضبة بدماء الشهداء، لشعب عظيم ومقاومة باسلة تواجه محرقة لا مثيل لها، بإصرار لا يُقهر.

المصدر / فلسطين أون لاين