فلسطين أون لاين

إقصاء المقاومة وتجديد "شرعية متآكلة" .. ماذا وراء قرار "عباس" إجراء انتخابات المجلس الوطني؟

...
إقصاء المقاومة وتجديد "شرعية متآكلة" .. ماذا وراء قرار "عباس" إجراء انتخابات المجلس الوطني؟
رام الله – غزة/ محمد عيد

بدلا من توحيد الجهود الوطنية لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية الجماعية على غزة أو وقف العمليات العسكرية ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية أو قرارات الهدم في القدس، ذهب رئيس السلطة لإصدار قرار ينص على إجراء انتخابات مجلس وطني جديد قبل نهاية العام الجاري.

وأثار قرار عباس الصادر في 17 يوليو المنصرم، غضبا فصائليا وشعبيا وسط تساؤلات وطنية حول جدوى القرار ودوافعه وتوقيته وشروطه الجديدة – غير القانونية - الذي تلزم المرشح للانتخابات بالاعتراف بـ(إسرائيل) والتزامات اتفاق "أوسلو" والتنازل عن فلسطين التاريخية.

و(المجلس الوطني) بمثابة برلمان منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) ويقع على عاتقه وضع السياسات والمخططات والبرامج للمنظمة وأجهزتها، علما أنه عقد 32 دورة منذ إنشائه عام 1964 دون أي انتخابات.

وتساءل هنا (منسق المؤتمر الشعبي الفلسطيني ــ 14 مليون) عمر عساف عن الظروف المناسبة لعقد هذه الانتخابات وسط خطط التهجير والمصادرة والضم للأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات محروم من الحق في الانتخابات الشاملة منذ عقود.

وسجّل عساف خلال حديثه لـ "فلسطين أون لاين" عدة نقاط على قرار "عباس" الذي يشكل "انقلابا" على جميع الأنظمة المعمول بها فلسطينيا، وخاصة النظام الداخلي للمنظمة الذي يتحدث عن "انتخاب المجلس الوطني من الشعب حيثما وجد، دون اشتراطات".

"شروط غير مسبوقة"

وذكر أن هناك توافق فلسطيني سابق على أن يكون 350 عدد أعضاء المجلس الوطني (200 منهم في الخارج، 150 من الداخل) وهو أمر خالفه قرار "عباس" الذي حدد الثلثين من الداخل وثلث من فلسطيني الخارج.

ويبلغ تعداد فلسطينيو الخارج نحو 7.8 ملايين فلسطيني، منهم 6.5 ملايين في الدول العربية بينما (تمثل الضفة والقطاع نحو 37% من الشعب الفلسطيني). بحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني.

ومن ضمن الملاحظات الأخرى، بحسب القرار، التزام العضو ببرنامج المنظمة (اتفاق أوسلو) والاعتراف بـ(إسرائيل) والتنازل عن فلسطين التاريخية ونبذ المقاومة المسلحة، وقال إن: اشترط الموافقة على قرارات "أوسلو" غير ملزمة لأبناء شعبنا الواقع تحت الاحتلال.

والجمعة الماضية، زعم "عباس" خلال استقباله وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، استعداده للذهاب لانتخابات عامة "لن تشمل القوى السياسية والأفراد الذين لا يلتزمون ببرنامج والتزامات منظمة التحرير والشرعية الدولية".

وشدد عساف على أن المقاومة بمختلف أشكالها خيار وحق قانوني لشعبنا في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه، كما أن هناك حالة إجماع وطنية تطالب بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي للتنصل من اتفاق "أوسلو" وقطع التعاون والتنسيق الأمني مع الأجهزة الإسرائيلية.

واعتقد أن هذه الشروط "غير مسبوقة في التاريخ" عدا عن رفض شعبنا لالتزامات المنظمة التي وقعت عليها قيادتها دون استشارة الشعب (صاحب الحق في التوكيل).

واستدل الناشط السياسي أيضا بموقف الفصائل وخاصة الجبهتان الشعبية والديمقراطية العضوان بالمنظمة، الرافضان لاشتراطات الانتخابات التي يحدد "عباس" موعدها قبل نهاية العام.

وأكد أن الأولوية الوطنية هي توحيد الصف الداخلي ووقف حرب الإبادة الجماعية في غزة والتصدي لمخططات الضم والمصادرة في الضفة وكذلك قرارات الهدم المتسارعة في القدس.

ولم يستبعد عساف من وراء أهداف عباس لهذا القرار: محاولة امتصاص بعض الضغوط العربية أو الغربية، أو الاستجابة لمطالب فتحاوية عدا عن سعيه لتشكيل مجلسا وفق مقاسه السياسي، وتجديد شرعيته المهترئة والالتفاف على مطالب الشعب بانتخابات فلسطينية شاملة وديمقراطية.

"دعوة ميتة"

بحسب مدير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات د. محسن صالح فإن "عباس" لا يزال يقود المؤسسات الفلسطينية بعقلية "التفرد" و"الهيمنة" رغم الحاجة لترتيب البيت الوطني ومواجهة الأخطار التي تحدق بالقضية الفلسطينية.

ورأى صالح أن منظمة التحرير تحولت لـ"دائرة من دوائر السلطة" وسط سلسلة أزمات تعصف بها: أزمة في القيادة، وفي البنى المؤسسية وانعدام فاعليتها، وأزمة في تفريغ محتواها النضالي، ومن هيمنة فصيل يحتكر السلطة ويغلق أبواب الإصلاح، ومن فقدان للرؤية والبوصلة وإدارة الأولويات، ومن تهميش للخارج الفلسطيني.

وأشار في مقال نشره أخيرا تعقيبا على القرار الأخير إلى أن "عباس وفريقه وضعوا مسمارًا جديدًا في نعش المشروع الوطني الفلسطيني" من خلال هكذا دعوة للانتخابات، حيث بدت أقرب إلى إعادة ترتيب سيطرة "البيت الفتحاوي" على المنظمة وليس ترتيب البيت الفلسطيني نفسه.

ودوّن هنا عدة ملاحظات على القرار: أنه جاء مخالفا لكافة التوافقات الفلسطينية التي وقعتها "فتح" و"حماس" على مدى العشرين سنة الماضية، بما في ذلك القاهرة 2005، 2011، 2017، 2021، الجزائر 2022، ولقاءات موسكو وبكين في الفترة 2019- 2024، والتي نصَّت على إصلاح أو إعادة بناء منظمة التحرير وتشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية على أسس تشاركية ديمقراطية وبما يضمن تمثيلًا حقيقيًا، وبالانتخاب حيثما أمكن، وبالتوافق عندما يتعذر ذلك.

ونوه إلى أن قرار "عباس" يخالف الاجتماعات السابقة ويخرج حركتي "حماس" و"الجهاد" وقوى المقاومة الرافضة لـ"أوسلو" من حق المشاركة والانتخاب، لأنه يشترط الالتزام باتفاقات "أوسلو" وما يترتب عليها من التزامات، كما أنه يستأثر بالهيمنة على اللجنة التحضيرية، ولا يضمن شراكة حقيقية للقوى الفلسطينية الفاعلة فيها، ويطعن بشفافية الانتخابات.

وعدا عن ذلك، فإن بنود القرار تتجاهل أيضا الإطار القيادي المؤقت، ويفرض هيمنة "عباس" و"فتح" على الإجراءات، ويُسهّل "هندسة النتائج" مسبقا، وهذا ما يقود إلى تعميق الانقسام الفلسطيني بتجاهل القوى الفاعلة على الأرض، ويعيد إنتاج حالة "مزورة" للإرادة الشعبية الفلسطينية.

وعدّ صالح القرار الجديد بمثابة "فرصة مثالية للأعداء والخصوم" لاستكمال مخططات شطب القضية الفلسطينية، وختم: "إذا كانت قيادة المنظمة ستعيد إنتاج منظومتها الفاسدة الضعيفة المستبدة، المتجاهلة لشعبها، فليس غريبا أن تُولد هذه الدعوة للانتخابات ميتة!".

يذكر أن أول انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية جرت في 20 يناير/كانون الثاني 1996، ولاحقا عام 2006 أجريت ثاني وآخر انتخابات رئاسية وتشريعية، بينما لم تجرِ انتخابات المجلس الوطني منذ عقد مؤتمره الأول عام 1964 وإن كان بعض أعضائه منتخبين من أطرهم السياسية أو الاتحادات والنقابات.

المصدر / فلسطين أون لاين