حذر الكاتب والمحلل الإسرائيلي إفرايم غانور من كارثة نفسية تتسلل بصمت إلى عمق المجتمع الإسرائيلي، تتمثل في تصاعد حالات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بين الجنود الإسرائيليين العائدين من القتال في غزة، محذرًا من أن هذا "الوباء الصامت" سيكون له تأثير مدمر على مدى سنوات.
يرى غانور، في مقاله بصحيفة معاريف، أن أصوات القصف والانفجارات التي اعتاد عليها الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب ليست سوى "مقدمة لصدى أشد قسوة" يتمثل في صرخات عشرات الآلاف من الجنود المصابين نفسيًا.
وأكد أن هؤلاء الجنود سيحملون آثار الحرب في أجسادهم وذاكرتهم إلى الأبد، محذراً من أن الصمت الذي يحيط بهذه الأزمة سيجعلها أكثر فتكاً وخطورة في المستقبل القريب.
أشار الكاتب إلى أن الحرب الدائرة في غزة منذ قرابة عام، تختلف جذرياً عن الحروب السابقة، بسبب طبيعة القتال الذي يخوضه الجنود الإسرائيليون ضد "عدو غير مرئي" في بيئة حضرية مكتظة بالسكان المدنيين، ما يعرضهم لضغط نفسي مضاعف.
وأوضح أن العمليات تتم "في قلب أحياء مليئة بالأطفال والنساء"، ويواجه الجنود مقاومين يخرجون من الأنفاق ويشنون هجمات مفاجئة، مما يزيد من شعور الرعب وعدم الأمان الدائم.
أرقام مقلقة.. أكثر من 10 آلاف يعالجون نفسيًا بحسب معطيات كشف عنها غانور، فإن:
- أكثر من 10,000 جندي يخضعون حاليًا لعلاج من اضطرابات نفسية.
- 3,769 جنديًا فقط تم الاعتراف بهم رسميًا كمصابين بـPTSD.
- 18,500 جريح منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم آلاف يعانون من أضرار نفسية حادة.
- 45جنديًا أقدموا على الانتحار منذ بداية الحرب.
- وأكد أن معظم هؤلاء المصابين هم من فئة الشباب، لا سيما من صفوف الاحتياط.
تساءل غانور: "هل تملك المؤسسة العسكرية والدولة الجاهزية اللازمة للتعامل مع هذه الموجة المتصاعدة؟"، مشيرًا إلى أن علاج هذه الحالات يتطلب موارد ضخمة وكوادر متخصصة، وهي أمور غير متوفرة حاليًا.
وأضاف أن تاريخ التعامل مع هذه الظواهر مليء بالإهمال والتقليل من خطورتها، مستشهداً بقضية 4 جنود من لواء ناحال أعلنوا مؤخرًا رفضهم العودة للقتال بسبب معاناتهم النفسية، وسط تهديدهم بالعقوبة بدلاً من تقديم الدعم.
انتقد غانور الطريقة التي يتعامل بها الضباط مع الجنود المنهارين نفسيًا، واصفاً إياها بالساخرة واللامبالية، وأكد أن هذا النهج يؤدي في كثير من الحالات إلى نهايات مأساوية مثل الانتحار، حيث لا يجد الجندي من يفهم أو يساند معاناته.
وأشار إلى أن قدرة الجيش على إخلاء الجرحى جسديًا عالية، لكنه يفتقر إلى منظومة تشخيص وعلاج فعالة للأزمات النفسية.
في ختام مقاله، أكد غانور أن اضطراب ما بعد الصدمة ليس مشكلة فردية بل أزمة وطنية مدمّرة تهدد المجتمع الإسرائيلي بأكمله، من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مشددًا على ضرورة التعامل معها كأولوية وطنية قبل فوات الأوان.

