وسط انتفاضة جماهيرية تجوب عواصم عالمية رفضا لحرب الإبادة الإسرائيلية وانتشار المجاعة بين المدنيين في غزة، سارع رئيس وزراء الاحتلال المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو لزعم اتخاذ قرار بالسماح لإدخال الإمدادات الغذائية لسكان القطاع.
القرار المزعوم الذي فاجأ مؤسسات أممية وأحزاب ووزراء إسرائيليين بعد 5 شهور من انتشار المجاعة، حمل طابعا إعلاميا أكثر من فعاليته الميدانية، إذ يفرض جيش الاحتلال قيودا مشددة على مسار الشاحنات "المحدودة" ويوقفها قرب نقاط تابعة للجيش دون ضمان وصولها لمخازن أممية أو دولية.
ورصد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة دخول 87 شاحنة مساعدات إنسانية، تعرض غالبيتها للنهب والسّرقة نتيجة الفوضى التي يعمل الاحتلال على ترسيخها بشكل ممنهج، وبحماية مباشرة من جنوده وطائراته المُسيّرة ما أدى إلى حرمان الفلسطينيين المحاصرين من أبسط حقوقهم الإنسانية.
ووصف ما يجري بـ"مسرحية هزلية يتواطأ فيها المجتمع الدولي" ضد المُجوّعين في غزة عبر وعود زائفة أو معلومات مضللة تصدر عن دول كبرى، مؤكدا أن القطاع يشهد مجاعة كارثية تتوسع وتتفاقم بشكل غير مسبوق وتطال 2.4 مليون إنسان، بينهم 1.1 مليون طفل.
ديمومة المساعدات
وليس الإعلام الحكومي وحده من عبر عن رفضه الآلية الإسرائيلية، بل قال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا، إنه "من المحزن" الحديث عن عدد الشاحنات التي دخلت غزة أو التي لم تتدخل أو التي تعرضت للسطو والسرقة.
وأكد مهنا، في إيجاز صحفي، أن المطلوب دوما هو التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار والسماح بإدخال جميع المساعدات الغذائية والإنسانية والصحية وغيرهما بشكل مستمر.
ودلل على ذلك بفترة وقف إطلاق النار الماضية (19 يناير – 2 مارس) التي تخللها إدخال 200-300 شاحنة يوميا، جازما أن تلك الأعداد لم تكن كافية لمعالجة احتياجات وتداعيات حرب الإبادة الإسرائيلية التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة.
وأشار مهنا إلى أن إعلان جيش الاحتلال فتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات، خطوة ليست كافية، "غزة ينقصها كل شيء .. الوقود، البنية التحتية، أنابيب المياه، والقائمة تطول".
"تضليل إعلامي"
بحسب وصف مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، فإن ما فعلته (إسرائيل) خلال اليوميين الماضيين بمثابة "تضليل إعلامي" لوأد الرأي العام العالمي المناهض لجرائمها وجريمة التجويع في غزة.
وأكد الشوا في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن المستويين السياسي والعسكري في (إسرائيل) يمنعان بشكل ممنهج دخول المساعدات الإنسانية والغذائية إلى غزة، محذرا من مخططات إسرائيلية ممنهجة لجعل غزة "غير قابلة للعيش".
وأفاد بأن جيش الاحتلال لا يسمح سوى بدخول عشرات الشاحنات يوميا وفق مسار محدد دون ضمان وصولها للمؤسسات الإغاثية العاملة في غزة، وهو ما يعيق آلية التوزيع على مستحقيها ويذهب باتجاه تعقيد الأزمة.
ووفق معطيات حكومية ارتقى 133 شهيدا بينهم 87 طفلا بسبب الجوع وسوء التغذية.
وشدد الشوا على أن دعم الاحتلال للفوضى حال دون تحسن الواقع الإنساني في غزة التي تشهد المرحلة الأسوأ في المجاعة الكارثية المستمرة منذ 2 مارس/ آذار الماضي (إغلاق الجيش لجميع معابر ومنافذ) القطاع.
وطالب الشوا بتدخل دولي فاعل للضغط على (إسرائيل) من أجل وقف حرب الإبادة ورفع القيود العسكرية عن غزة وزيادة كميات المساعدات الإنسانية لمختلف الشرائح والقطاعات الحياتية.
كما طالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عملية، مثل: فرض عقوبات اقتصادية على (إسرائيل) ووقف تزويدها بالسلاح، ومراجعة اتفاقيات الشراكة الأوروبية معها، مشيدا بالمواقف الأوروبية المتقدمة، مثل قرار هولندا منع دخول وزراء متطرفين إسرائيليين.
ضغط دولي
في المقابل، رأى المحلل السياسي من بريطانيا د. كامل الحواش أن الضغط الجماهيري والحقوقي الواسع في العواصم الأوروبية والتقارير الأممية هو ما دفع (إسرائيل) لتخفيف حدة المجاعة في غزة.
وقال الحواش في حديثه لصحيفة "فلسطين": "لا ننخدع بأن (إسرائيل) ستدخل مئات الشاحنات يوميا وستسمح بوصولها لجميع أماكن القطاع (...) هذا ليس نهجها بل القتل والدمار والتجويع هو نهجها".
عدا عن ثمة عوامل وضغوطات أخرى كالاعتراف الفرنسي المتوقع بالدولة الفلسطينية (على ما تعرف بحدود 67) وبعض العقوبات الأوروبية "ما دفعها للتفكير بصورتها العالمية (دولة) وحشية تقتل الأطفال".
واستضافت الأمم المتحدة المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية القضية الفلسطينية وتطبيق ما يسمى "حل الدولتين" وسط توقعات بخطوات غير مسبوقة من بعض الدول الأوروبية للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في حين أعلنت الولايات المتحدة و(إسرائيل) مقاطعة الحدث واعتراضهما العلني على مخرجاته المرتقبة.
وأوضح أن (إسرائيل) تسعى لتخفيف حدة المظاهرات والفعاليات الجماهيرية حول العالم عبر تضليل إعلامي مدروس بإدخال كميات مساعدات محدودة دون إنهاء حرب الإبادة أو القضاء على المجاعة الكارثية التي طالت مختلف الشرائح والأعمار.
وشدد الحواش على أن (إسرائيل) ستواصل التنصل من مسؤولياتها القانونية والإنسانية في ضوء اخفاقاتها العسكرية المتتالية داخل غزة رغم امتلاكها للترسانة العسكرية والدعم الأمريكي المتواصل لإبادة جميع أشكال الحياة في القطاع.

