فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

توفَّني مسلمًا وألحقني بالصالحين ﴿يوسف: 101﴾

رضعنا الحلم من صدور الجدّات اللواتي حملن نكبة عسقلان ويافا والمجدل في قلوبهن، ونشأنا على وقع النكسة والخذلان. تغذّينا على وعد التحرير في قصص النكبة والنكسة، وسمعنا حكايات الأرض المسلوبة، وحفظنا آيات الإسراء ووعد الآخرة كأنها تراتيل لا تنطفئ، كأغنية طفولة تأبى الغياب عن الذاكرة.

عبر سنوات من الحصار والملاحقة، من دماء شهدائنا وآهات أمهاتنا، صاغت غزة روح الأمة ونبضها الذي لا ينكسر، وأصبحت رمزًا للصمود، في مواجهة ظلمٍ لا يعرف الشبع، ومحرقة لا تعرف الرحمة. هذه الأرض، التي هُجّر أهلها قسرًا، ما زالت تحمل في صخورها عزيمة الأجداد، ودماء الشهداء، وأحلام الأحياء.

هذا النضال ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو امتداد لرسالة أبدية، كتبتها الأديان، وسطّرتها الكتب السماوية، يوم قال الله تعالى:
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39)

كبرنا ونحن نعدّ أبناءنا ليوم التحرير. بكيناهم شهداء، ومسحنا دموع أطفالهم، ولم تنطفئ جذوة الرجاء في صدورنا، رغم ما ظنه العالم استسلامًا. أشعلنا الحجارة، وانتزعنا غزة من بين أنياب العدو، فصبرنا على الحصار والمجازر والمحرقة، حتى صارت غزة أيقونة الصمود، وشاهدًا حيًّا على إرادة لا تُقهر.

نحن جيل ما بعد النكبة والنكسة—جيل التغيير—الذين حملوا على أكتافهم ثقل التاريخ وآمال المستقبل. أصغينا لآيات الله في سورة الإسراء، وترجمنا وعد الآخرة إلى تضحيات حقيقية على الأرض:
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (الحج: 40)

أشعلنا الانتفاضة بأيدينا، فكانت الحجارة أول ترجمات الفداء. ورغم أن المولود الأول جاء مشوهًا في "أوسلو"، فقد ارتفع علم فلسطين أخيرًا. ثم جاءت انتفاضة الأقصى، فدخلنا مرحلة صدامٍ شبه عسكري، وارتقى آلاف الشهداء، وأُسر عشرات الآلاف، وارتفعت فاتورة التحرير، فزاد الوعي، وتجلّت روح الفداء.

وُلدت غزة المحررة نسبيًا بعد الاندحار الصهيوني، فكبر المولود تحت القصف والجوع والحصار، وخاض معارك "الفرقان" و"السجيل"، حتى قصفت تل أبيب لأول مرة. ثم جاء "العصف المأكول"، فكان إعلانًا أن غزة عصية على الكسر. واشتعلت "سيف القدس"، فجمعت الشتات على قدسية المعركة، حتى جاءت ملحمة "طوفان الأقصى"، شرارة تحريرٍ عاصف.

واليوم، في أتون محرقة غزة المستمرة، نسير في مواكب الشهداء والجرحى نحو فجرٍ جديد، نسأل الله أن يجعل هذه الدماء زادًا إلى الحرية والكرامة. إننا نؤمن، رغم فظاعة المشهد، بأن هذه المحنة إنما تصهرنا في بوتقة النصر، وتطهر النفوس، وتقرّب لحظة العودة.

كل طفل في غزة، كل امرأة تنسج أمل الغد، كل شابٍ يقاتل بحجر داوود، ويكتب سيرة قومٍ جبارين… إنهم يحملون شعلة التحرير. إنهم أبطال لا تُنسى دماؤهم، وأمهاتهم سنديانة الصبر والعزم. هذه لحظة استثنائية، يصدح فيها وعد الله:
﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ (التوبة: 111)

نحمد الله العلي العظيم، أن جعلنا جزءًا من جيل النكسة (جيل التغيير)، الذي مهد الطريق، وساهم في بناء جيل التحرير. نحن الذين نحمل أمانة الزمان والمكان والمرحلة، وندعو الله بالثبات والاستعمال لا الاستبدال.

هرمنا لأجل هذه اللحظة القادمة، ولكننا نزداد يقينًا، أن يوم النصر قريب، وأن صبرنا لم يذهب سدى. وإنّ دماء الشهداء، ونزيف الأمهات، وصمود غزة، ليست إلا الطريق إلى الأقصى.

أيها العالم:

إن بقي فيك ضمير، فغزة تناديك. لا تكن شاهد زور، ولا صامتًا على مجازر الأبرياء. قف مع الحرية، وارفع الصوت، وكن جزءًا من هذه الملحمة، التي لن تُنسى، ولن تتكرر.

أما نحن، فلا نسأل متى؟ ولا كيف؟ ولا أين؟

نحن نثق، وننتظر، ونصبر، ونحمل الدعاء:
﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ (يوسف: 101)

ومع كل غروب شمس، نزداد يقينًا بأن النصر قادم، والفتح قريب.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (الروم: 4)

المصدر / فلسطين أون لاين