قائمة الموقع

المساعدات تحت قبضة الاحتلال... الغزيون يرفضون التَّلاعب بغذائهم

2025-07-28T17:53:00+03:00
المساعدات تحت قبضة الاحتلال... الغزيون يرفضون التَّلاعب بغذائهم
فلسطين أون لاين

بدأت المسنة عبلة مصبح يوما جديدا في خيمة النزوح القسري، بجسد مرتجف بعد أشهر من اعتمادها على شرب المياه فقط وحرمانها من الغذاء، مع تفشي المجاعة، مبدية شكوكها حيال مزاعم الاحتلال بشأن إدخال مساعدات إنسانية لغزة.

"هي جسمي بيرجف من قلة الأكل والجوع ولا حتى بيتوفر سكر.. النا ٤ شهور واحنا زي هيك"، هذه كلمات عبلة التي تهتز أيضا في حديثها مع صحيفة "فلسطين" على وقع المجاعة، ولهيب العيش والنزوح خصوصا في فصل الصيف.

وللشهر الـ22 تواليا من حرب الإبادة الجماعية على غزة، يستخدم الاحتلال التجويع سلاح حرب ضد الأهالي، وهو ما وثقته المنظمات الدولية المعنية، في وقت يسعى تحت ضغوط دولية إلى "تجميل" صورته بإدخال بضعة شاحنات مساعدات، لا تحدث فرقا في واقع المجاعة التي تسببت بالفعل في استشهاد 122 مجوعا بينهم 83 طفلا، وفق المكتب الإعلامي الحكومي.

ويشمل التجويع الأطفال أيضا، فقد حذر المكتب في بيان أمس، من أن قطاع غزة على أعتاب مقتلة جماعية مرتقبة بحق 100,000 طفل خلال أيام إن لم يُدخَل الحليب فورا.

"مش قادرين نشتري طحين"

على مقربة من خيمتها، تحمل ملامحها هما ثقيلا يعتصر إنسانيتها مع انعدام مقومات الحياة. عبلة (65 عاما) هي أرملة تعيش فصول المعاناة مع أسرتها الممتدة، واستقر بها الحال في أحدث محطات النزوح القسري بمنطقة السرايا وسط مدينة غزة، بعد أن دمر الاحتلال منزلهم في حي الشجاعية، وصنف منطقة سكنهم على أنها "حمراء" يحظر دخولهم إليها.

تفتقر عبلة وعائلتها إلى القدرة على مواكبة أسعار الدقيق الملتهبة في ظل شح إدخاله إلى القطاع المتعطش للغذاء، وأيضا ما أكدته جهات رسمية وحقوقية عن رعاية الاحتلال لعصابات من اللصوص التي تسرق المساعدات الشحيحة قبل وصولها إلى المعذبين والمجوعين.

تنتفض يداها مع حدة نبرة صوتها وهي تشرح واقعا لا تعبر عنه الكلمات: "هينا مش قادرين نشتري كيلو الطحين.. تخيل وصل في الأيام الأخيرة لـ80 ولـ90 وحتى لـ150 شيكل الكيلوجرام؟ قعدنا فترة واحنا مرميين بس مية نشرب لعند ما ربنا يفرجها علينا وهينا مستمرين".

ليلة أول من أمس تناولت عبلة وعائلتها لقيمات من الخبز بعد حرمان طويل، حيث اشترت كيلوجرام واحدا من الدقيق مقابل 50 شيكلا، لعائلتها المكونة من 33 فردا.

ويلقي شح الطعام بظلاله على صحة المسنة، وتحرمها المجاعة حتى من وجبة الإفطار التي يوصي بها الأطباء حول العالم لتمكين الإنسان من تحمل أعباء يومه، لكنها لا تتمكن من الحصول على حبة واحدة من الطماطم أو الخيار منذ أشهر عدة.

تقول بعبارات يخنقها القهر: "ايش بدنا نسوي لا فطور ولا غدا.. كل العائلات بيضلوا مرميين طول النهار بس بيتعشوا عشا إذا توفر شيء".

ولا تتمكن عبلة من شراء أي من الخضار القليلة المزروعة محليا أو الأسماك الشحيحة المعروضة في بعض الأسواق، لارتفاع ثمنها، مع تدمير الاحتلال مقدرات المزارعين والصيادين واستهدافهم، ومنعه دخول مستلزمات عملهم.

وأطبق الاحتلال حصاره على غزة منذ انقلابه على اتفاق وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار، لكنه ادعى بعد ضغوط دولية استئناف إدخال مساعدات إنسانية لم تكن سوى قطرة في محيط، كما تقول مؤسسات الأمم المتحدة.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت سلطات الاحتلال منذ 7 مايو/أيار الماضي تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي مدعومة إسرائيليا وأميركيا ومرفوضة من الأمم المتحدة. وأسفرت عمليات الاستهداف المرتبطة بما يعرف بـ"فخاخ المساعدات الأميركية الإسرائيلية" عن استشهاد 1132 غزي مجوع وإصابة 7521 آخرين.

ومع مزاعم الاحتلال أمس السماح بإدخال شاحنات مساعدات إنسانية لغزة، تؤكد عبلة عدم ثقتها بهذا الإعلان، قائلة: "الاحتلال بيضحك علينا، وبدو يموتنا سريريا، وبيعذب فينا، وبيدوبنا تدويب".

وتشير إلى أن الاحتلال لا يكتفي بالتحكم بالمساعدات، بل يعمل على منع وصولها إلى أهالي غزة، وذلك عبر عصابات من اللصوص التي يرعاها: "ولادنا الهم شهر بيحاولوا يروحوا (على مناطق دخول شاحنات المساعدات) عشان يجيبوا لقمة العيش.. وإذا سلموا من الاحتلال بيسلموش من الحرامية (عصابات سرقة المساعدات) هدول مش قادرين عليهم".

وفي الوقت نفسه، تشكو عبلة ما رأت أنه تواطؤ دول عربية مع الاحتلال الذي يتحكم بالمساعدات الإنسانية، وترك الغزيين فريسة للمجاعة.

على مقربة منها، يئن ابنها معتز من عملية علاجية خضع لها مؤخرا، ومن ضيق الحال الذي وصل إليه، وهو أحد ضحايا المجاعة، وأيضا السرقة.

يقول معتز لصحيفة "فلسطين": إنه وجد نفسه مجبرا تحت وطأة المجاعة قبل فترة على محاولة الحصول على كيس واحد فقط من الدقيق لسد شيء من حاجة عائلته، من شاحنات المساعدات في منطقة "زيكيم".

وبعد انتظار تسع ساعات ومعاناة في الحصول على الكيس، تكالب عليه أربعة لصوص وانتزعوه منه تحت تهديد السلاح، وفق إفادته.

ويعرقل الاحتلال تأمين المساعدات في غزة عبر استهداف رجال الشرطة، التي أكدت في بيانات عدة عزمها على مواصلة أداء مهامها في خدمة المواطنين، رغم الاستهدافات الإسرائيلية الممنهجة.

ويسعى الاحتلال أيضا إلى إفشال محاولات العشائر تأمين المساعدات، ضمن سياسة متعمدة لإحداث حالة من الفوضى، وفق مراقبين.

ووفق تحقيقات وزارة الداخلية في غزة بعدد من الحوادث التي وقعت مؤخرا، فإن اللصوص يقودهم عملاء، ويتم تحريكهم بغطاء جوي من طائرات الاحتلال الإسرائيلي، لاستهداف رجال الأمن والشرطة عند التصدي لهم.

وجاء في بيان سابق للوزارة أن تكامل الأدوار بين اللصوص والعملاء مع الاحتلال، هدفه إحداث الفوضى وبث الخوف في نفوس المواطنين.

وتطالب عبلة وابنها برفع الاحتلال يده عن المساعدات الإنسانية، وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة.

"الاحتلال بيضل عدوك"

بعمر الـ67 عاما، يبدو رمضان أبو عايش على دراية تامة بحيل الاحتلال وتلاعبه في قوت وحياة الفلسطينيين.

ينحدر أبو عايش من الأراضي المحتلة سنة 1948، ويقطن في مخيم المغازي للاجئين، لكن بيته هناك لم يسلم أيضا من التدمير الجزئي، كما لم يسلم هو من التجويع والمعاناة الممتدة على مدار 22 شهرا من الإبادة الجماعية.

يكسو الشيب لحيته ورأسه كشاهد على سني عمره التي عاشها تحت وطأة العدوان الإسرائيلي الطويل، قائلا لصحيفة "فلسطين": الاحتلال بيضل عدوك، عدو الدين والإسلام".


 

ويقول أبو عايش: إن الاحتلال الذي يدعي إسقاط مساعدات جوا أو إدخالها برا لأهالي غزة، هو من أسقط قبل أيام كمية مما يشتبه أنه مخدرات ومادة النيكوتين في منطقة شرق مخيم المغازي، للإفساد في المجتمع.

ويتفق الرجل مع سابقيه بأن الاحتلال يسلح ويحمي عصابات من اللصوص ليعيثوا في غزة فسادا ويسرقوا المساعدات ويقطعوا الطرق ويعدموا من يحاول الحصول عليها من المجوعين.

ويدلل على ذلك بقدرة على عصابات اللصوص على الوصول إلى مناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال، معتقدا أن هذه العصابات تضم أفرادا لهم سوابق في جرائم القتل والمخدرات.

ويتمسك أبو عايش بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا لتولي ملف المساعدات الإنسانية، قائلا: "الحل هي الأونروا، طول عمرنا معها في التعليم والغذاء وغيره"، لكنه لم ينس أيضا المطالبة بوقف الإبادة الجماعية.

ويطالب المسن ومعه الغزيون، المنهكون حد الارتعاش، بإنهاء تحكم الاحتلال بالمساعدات، ووقف التجويع الممنهج، وفتح الأبواب أمام قوافل الإغاثة الحقيقية، قبل أن يزهق الجوع ما تبقى من أرواحهم.

اخبار ذات صلة