كثيرا ما راهن الاحتلال على استمرارية هذا الانقسام وإطالة عمره بل ودعمه بكل الإمكانات، وكان وقع اتفاق المصالحة الاخير الذي تم بين حركتي فتح وحماس بإشراف جمهورية مصر العربية الشقيقة بمثابة صدمة ورغم سكوته المشكوك فيه، فقد استغل الهدوء النسبي الذي ساد الاراضي الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة بالانشغال في المصالحة ونفذ مجزرة جديدة شرق خانيونس بقصف نفق فقتل من قتل واحتجز عدد من جثامين الشهداء بحجة الامن وكان لمقصود الاول اغتيال المصالحة بهدوء تام حتى يستمر الاحتلال ويستمر معه الحصار والاستيطان والتهجير.
هذا الوضع لا يمكن أن يستمر ولا يمكن السكوت عليه، فالوضع في غزة يشرف على كوارث إنسانية لا تقل صعوبة عما تحدثه الحروب، ولن تفلت من تبعاتها كل الأطراف المعنية، فغزة جزء مما تبقى من هذا الوطن المحتل، وشعبها ليس له أية ملامح أخرى بعيدا عن توأمة غزة والضفة، فهل يهون حال غزة على الضفة أو العكس؟ لا أعتقد ذلك فنحن شعب واحد وصاحب قضية واحدة ومصير مشترك لا يصلح للقسمة ولا للتقاسم والتقسيم، فكل المسائل الخلافية لا يسما الموظفين والامن قابلة للحل اذا توفرت النوايا الصادقة مثلما حلت المسائل الاخرى.
وصحيح أيضا أن هناك بعض الدول والأطراف الإقليمية وربما العالمية لا تروق لها هذه المصالحة وتحاول من خلال الضغط على بعض الأطراف الفلسطينية من أجل فرض أجندتها على هذه المصالحة من أجل إفشالها وإيصالها الى طريق مسدود، إلا انه أيضا يوجد في الصف الفلسطيني الكثير من الذين لا يؤيدون المصالحة خاصة المستفيدين من الانقسام والذين تهمهم مصالحهم الشخصية ويفضلونها على المصلحة الوطنية العليا وعلى مصلحة الوطن والقضية، فمكتسباتهم من وراء سنوات الانقسام الأسود لا يمكنهم التنازل عنها بطوعية أو الاكتفاء بما حققوه من مرابح.
لعل هذه العراقيل والتدخلات الخارجية في سير المصالحة يجب ضرورة انتباه طرفي المصالحة لها، أي فتح وحماس وكذلك بقية فصائل وقوى العمل الوطني والإسلامي لهذه العراقيل من أجل التغلب عليها ومنعها من إفشال هذه المصالحة التي انتظرها وينتظر نتائجها شعبنا على أحر من الجمر خاصة أهلنا في قطاع غزة الذي عانى الأمرين من الانقسام الأسود الذي نأمل بأن يكون قد انتهى والى الأبد.
فالوقت من ذهب والقضية تتعرض لمخاطر كبيرة خاصة في ظل الظروف التي يمر بها عالمنا العربي، الأمر الذي يتطلب الإسراع في وضع حد للجرح الفلسطيني النازف، والمتضرر الأول والأساسي هو شعبنا في قطاع غزة الذي عانى ولا يزال من الحصار الظالم الذي أوصله إلى حالة من الفقر المدقع وارتفاع غير مسبوق في نسبة البطالة وانتشار الأمراض والأوبئة وتلوث المياه وغيرها من الأمور والقضايا الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
إن تسلّم حكومة الوفاق الوطني لمهامها في قطاع غزة، وكذلك تسلّم قوات الرئاسة الفلسطينية للمعابر، هي خطوات في الاتجاه الصحيح من أجل السير قدما في المصالحة، فلا تجعلوا من ملفي الامن والموظفين عقبة كأداء في طريق المصالحة كما يجب أن يتزامن معها رفع العقوبات التي فرضتها السلطة على قطاع كبير من أبناء شعبنا في القطاع. فليس من المعقول ولا المقبول أن تستمر هذه العقوبات حتى الآن، فشعبنا في القطاع استبشر خيرا وجرى استقبال شعبي حافل لحكومة الوفاق الوطني وتسلمت مهامها ووزاراتها بصورة سلسلة وبدون أية عراقيل تذكر.
فلا تضعوا العقدة في المنشار فالطريق الصحيح لتفويت الفرصة على الاحتلال وكل من يحاول، بل ويعمل على وضع العراقيل أمام المصالحة، هو التعجيل في إنجازها بالكامل من خلال تنفيذ اتفاق القاهرة خطوة وراء الأخرى دون إبطاء وتلكؤ.