دخلت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو نفقًا سياسيًا معقدًا إثر تصاعد أزمة تجنيد اليهود المتدينين "الحريديم"، والتي تسببت في انسحابات مؤثرة داخل الائتلاف الحاكم. ومع تهديد حزب "شاس" الديني بالانسحاب، تقلّصت قاعدة الدعم البرلماني لحكومة نتنياهو إلى الحد الأدنى، ما يضعها أمام 5 سيناريوهات محتملة، بين التجميد المؤقت وحتى الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
في ضربة جديدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أعلن حزب "يهدوت هتوراة" انسحابه من الائتلاف الحكومي، ما أدى إلى تقلص عدد مقاعد الائتلاف إلى 60، وسط تصاعد الخلافات حول قانون التجنيد وتعديلات مثيرة للجدل اقترحها رئيس لجنة الأمن والخارجية يولي إدلشتاين.
جاء الانسحاب حسب ما نشر موقع "معاريف" اليوم الثلاثاء، بتوجيه مباشر من الحاخامين دوف لاندو وهيلل هيرش، بعد رفض الحريديم لبنود في القانون تُلزم طلاب المدارس الدينية بتسجيل بصمات أصابعهم، وتأجيل الإعفاء من التجنيد إلى ما بعد الفحص والتجنيد الفعلي.
الانسحاب الحريدي دفع التحالف الحاكم إلى حافة الانهيار، خاصة مع غياب دعم حزب "شاس" حتى الآن. ومع احتساب آفي ماعوز كمتحفظ، يبدو أن الائتلاف يفتقر إلى الأغلبية الفعلية في "الكنيست"، مما يعزز الحديث عن حل الكنيست قريبًا.
ورغم أن "يهدوت هتوراة" لم يعلن حتى اللحظة دعمًا رسميًا لحل "الكنيست"، فإن المعارضة قد تتمكن من جمع التواقيع اللازمة لطرح مشروع قانون الحل بعد انتهاء عطلة "الكنيست" الصيفية، ما يمهد الطريق لإجراء انتخابات في مارس/آذار 2026.
ويمثل تحالف "يهدوت هتوراه" الحريديم من ذوي الأصول الغربية، بينما يمثل "شاس" ذوي الأصول الشرقية منهم.
1. البقاء كحكومة أقلية مؤقتًا
بحسب تحليلات عبرية، قد يلجأ نتنياهو إلى استغلال عطلة الكنيست الصيفية التي تبدأ في 27 يوليو/تموز وتمتد حتى أكتوبر/تشرين الأول، للإبقاء على حكومته كحكومة أقلية دون انهيار رسمي. رغم أن هذا السيناريو يُبقي الحكومة على قيد الحياة مؤقتًا، إلا أنه يُدخلها في حالة شلل تشريعي، إذ يصعب تمرير أي قوانين أو مشاريع حيوية في غياب أغلبية داعمة.
2. التوصل إلى تسوية مع الحريديم
يبقى أحد الخيارات المتاحة هو التفاوض مع أحزاب الحريديم للتوصل إلى صيغة "تسوية وسط" بشأن قانون التجنيد. قد تتضمن التسوية منح إعفاءات محددة أو تأجيل تنفيذ قرارات المحكمة العليا، مقابل عودة الأحزاب المنسحبة إلى الحكومة. إلا أن هذا الخيار محفوف بمخاطر سياسية كبيرة، نظرًا لمعارضة الشارع والمعارضة، خاصة في ظل حاجة الجيش لمزيد من المجندين في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة.
3. تعقيد المشهد بانفجار المطالب اليمينية
في حال انسحاب الحريديم، قد يستغل شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف – مثل حزب "القوة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش – الظرف لفرض مزيد من المطالب المتطرفة. من بين هذه المطالب: رفض اتفاق وقف إطلاق النار مع غزة، الدعوة لاحتلال القطاع، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. هذه المطالب قد تزيد الضغط الدولي وتُفجّر خلافات داخلية أوسع.
4. تشكيل ائتلاف بديل أو حكومي جديد
قد يحاول نتنياهو ترميم حكومته عبر التحالف مع أحزاب من خارج الائتلاف، مثل "أزرق أبيض" بقيادة بيني غانتس أو "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد. هذا السيناريو يتطلب تنازلات سياسية كبيرة، وقد يواجه رفضًا حادًا من تلك الأحزاب التي ترفض التعاون مع نتنياهو بسبب ملفات الفساد التي تلاحقه. لكن في حال حدوثه، قد يُستخدم كغطاء لتمرير اتفاق تبادل أسرى أو تهدئة في غزة.
5. الذهاب إلى انتخابات مبكرة
إذا استنفدت الخيارات، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرًا لحل الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة. ومع أن هذا هو السيناريو الأقل تفضيلًا له، إلا أنه قد يلجأ إليه إذا شعر بأن بإمكانه استعادة الغالبية مجددًا أو استثمار الانقسامات بين خصومه. هذا السيناريو يحمل أيضًا مخاطر كبيرة، خاصة في ظل أزمة داخلية متصاعدة واستياء شعبي من أداء الحكومة.
أزمة مركّبة في توقيت حساس
تأتي هذه السيناريوهات بينما تستمر الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023، وتُسجّل إسرائيل خسائر عسكرية متتالية، وسط أزمة ثقة متنامية في القيادة السياسية والعسكرية. كما يعمّق ملف التجنيد الانقسامات بين مكوّنات المجتمع الإسرائيلي، ويُعيد طرح تساؤلات حول قدرة حكومة نتنياهو على الاستمرار وسط أزمات داخلية وخارجية متراكمة.
وفق التقديرات، فإن أقرب موعد ممكن للانتخابات هو مارس 2026، بسبب الجدول الزمني البرلماني وعطلة "الكنيست". أما حل "الكنيست" الآن فسيقود إلى انتخابات في أكتوبر المقبل، وهو توقيت غير مرغوب فيه لحكومة نتنياهو، نظرًا لتداعيات ذكرى هجوم 7 أكتوبر.