كشفت مصادر عن تفاصيل خريطة "إعادة التموضع" التي قدمها الوفد الإسرائيلي خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، والتي تبيّن أنها تحمل في طياتها ملامح خطة تهجير قسري ممنهج، عبر إبقاء مدينة رفح بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية، وفق ما نشرته قناة الجزيرة.
الخريطة، التي وُصفت بأنها محاولة لإضفاء شرعية على وقائع ميدانية خطيرة، تهدف إلى تحويل رفح إلى ما يشبه "منطقة تجميع كبرى" لعشرات الآلاف من النازحين، تمهيداً لدفعهم نحو الخروج من قطاع غزة، سواء عبر الحدود المصرية أو من خلال البحر.
وتشير المعلومات إلى أن الاحتلال يسعى لفرض منطقة عازلة بعمق يصل إلى 3 كيلومترات على طول حدود القطاع، ما يعني فعليًا السيطرة على نحو 40% من مساحة غزة، ومصادرة أجزاء واسعة من مدن وبلدات شمالًا ووسطًا وجنوبًا، من بينها بيت لاهيا وبيت حانون وخزاعة، إلى جانب مناطق شرقي مدينة غزة.
هذه الخطوة، بحسب المصادر، ستُبقي أكثر من 700 ألف فلسطيني بعيدين عن مناطقهم الأصلية، وتُكرّس سياسة التهجير الجماعي، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
من جهتها ذكرت القناة 12 العبرية، أن الخلاف الرئيسي في مفاوضات الدوحة هو مدى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تسيطر عليها في قطاع غزة، مدعية أن تل أبيب وافقت على الانسحاب من محور موراغ، الذي يفصل رفح عن خان يونس في جنوب القطاع، مقابل إبقاء سيطرتها على رفح.
ونقلت القناة عن مصدرين مطلعين على تفاصيل المفاوضات تأكيدهما أن الخريطة الجديدة التي قدمتها إسرائيل تتضمن انسحابا من طريق موراغ، الذي يبعد نحو 4-5 كيلومترات عن الحدود بين غزة ومصر.
بَيد أن القناة لفتت إلى أنه، وفقًا للخريطة نفسها، لا تزال إسرائيل تصر على إبقاء قوات جيشها على بعد نحو 2-3 كيلومترات شمال طريق فيلادلفيا (الحدود بين غزة ومصر).
وأضافت: هناك، تريد الحكومة إنشاء مخيم للاجئين يضم مئات آلاف الفلسطينيين، استعدادا لتهجيرهم المحتمل لاحقا.
خطة "المدينة الإنسانية"
بالشياق، كشفت وسائل إعلام عبرية، الجمعة، عن تفاصيل خطة إسرائيلية لإنشاء ما يسمى "مدينة إنسانية" جنوب قطاع غزة، في خطوة تهدف – بحسب مصادر مطلعة – إلى عزل السكان الفلسطينيين عن فصائل المقاومة، وتشجيعهم على الهجرة "الطوعية" خارج القطاع، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وحصار غزة الخانق.
ونقلت القناة 12 العبرية، عن وزير الحرب الإسرائيلي إسرائيل كاتس، قوله إن الجيش قادر على "بناء المدينة" خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقت، الذي يُحتمل أن يستمر 60 يوماً في حال التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس في مفاوضات الدوحة. غير أن الحركة اتهمت في بيان الأربعاء إسرائيل بـ"التعنت"، ما يعطل تقدم المباحثات.
ووفق القناة، يتولى مدير عام وزارة الحرب، أمير برعام، الإشراف على تنفيذ المشروع، الذي يهدف - وفق الرواية الإسرائيلية - إلى "خلق نظام مدني جديد داخل المدينة، وفصل السكان عن حماس، وتهيئة ظروف للهجرة التدريجية خارج غزة".
تقع المنطقة المخططة لإقامة "المدينة الإنسانية" بين "محور فيلادلفيا" الحدودي وطريق "موراج" الذي يسيطر عليه جيش الاحتلال، ما يمنح إسرائيل تفوقاً ميدانياً وسيطرة كاملة على حركة الدخول والخروج من المدينة، حسب التقرير.
وتنوي إسرائيل إقامة مجمع ضخم من المخيمات والهياكل شبه الدائمة، وتحويل المدينة إلى نقطة مركزية لتلقي المساعدات الإنسانية، في محاولة لتحفيز عشرات الآلاف من الفلسطينيين على التوافد إليها، ما يفتح الباب واسعاً أمام مخاوف من تهجير ممنهج.
رفض إقليمي وتحذيرات دولية
الخطة تلقى رفضاً صارماً من مصر والأردن، اللتين تعتبران أي تغيير ديموغرافي في غزة أو تهجير جماعي للفلسطينيين تهديداً مباشراً للأمن القومي في المنطقة. وتُجمع مواقف عربية ودولية على رفض أي مشاريع ترحيل قسري، مؤكدة التمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها إقامة دولة مستقلة على حدود 1967.
قانونياً: جريمة ترحيل قسري
على المستوى القانوني، حذّر خبراء في القانون الدولي من أن هذه الخطة قد تمثل جريمة حرب. وقال البروفيسور يوفال شاني، رئيس قسم القانون الدولي في الجامعة العبرية، إن البرنامج المطروح "يبدو غير قانوني بوضوح، إذ ينطوي على ترحيل قسري لسكان في منطقة نزاع، وهو ما يتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني".
وأضاف أن "توجيه المساعدات الإنسانية إلى موقع محدد لإجبار السكان على التجمع فيه، ثم منعهم من المغادرة أو دفعهم للهجرة، يُعد شكلاً من أشكال الإكراه غير المشروع".
وعلى مدى نحو 20 شهرا، عُقدت عدة جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، بشأن وقف الحرب وتبادل الأسرى، بوساطة قادتها كل من مصر وقطر والولايات المتحدة.
وخلال هذه الفترة، تم التوصل إلى اتفاقين لوقف إطلاق النار، الأول في نوفمبر/تشرين الأول 2023، والثاني في يناير/كانون الثاني 2025، وشهدا اتفاقيات جزئية لتبادل أعداد من الأسرى.
وتهرّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من استكمال الاتفاق الأخير حيث استأنف الإبادة على غزة في 18 مارس/آذار الماضي.
وتؤكد المعارضة الإسرائيلية أن نتنياهو يرغب فقط بصفقات جزئية تضمن استمرار الحرب، لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية، ولا سيما استمراره بالسلطة، وذلك استجابة للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته.
وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وترتكب إسرائيل بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 195 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.