قائمة الموقع

رصاص بدل الرغيف.. مأساة عائلة الشنتف في غزة

2025-07-08T09:49:00+03:00
رصاص بدل الرغيف.. مأساة عائلة الشنتف في غزة
فلسطين أون لاين

في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، يجلس حسن الشنتف إلى جانب إبراهيم، زوج شقيقته، أمام منزل مدمر، يحاولان التقاط أي بصيص أمل عن أبنائهما الأربعة الذين خرجوا ولم يعودوا.

مرّت الأسابيع ثقيلة على عائلة الشنتف، وما زال مصير أبنائهم مجهولًا حتى اللحظة.

ففي 12 حزيران/ يونيو الماضي، خرج علي الشنتف (27 عامًا)، وهو أب لطفلين (حسن وليا)، برفقة أبناء عمّته الثلاثة: زكريا، عماد، ومحمد، متجهين إلى منطقة العمودي شمال غربي القطاع، أملًا في الحصول على كيس دقيق من إحدى قوافل المساعدات النادرة التي كانت تدخل غزة بصعوبة، بحسب ما رواه حسن الشنتف.

كانت عائلاتهم في أمسّ الحاجة للطعام، والخطة بسيطة: ينتظرون المساعدات، يجمعون بعض الحطب للطبخ، ثم يعودون إلى ما تبقى من منازلهم. لكن منذ ذلك اليوم، انقطعت أخبارهم تمامًا.

الاتصال الأخير

يروي الخمسيني حسن، والد علي، لـ "فلسطين أون لاين": إن زوجة ابنه تلقّت اتصالًا منه صباح اليوم التالي، أخبرها خلاله أنه سيعود خلال ساعة أو ساعتين، بعد أن يجمع القليل من الحطب. لكنه لم يعد.

وبعد يومين من انقطاع الاتصال، خرج حسن يبحث عن ابنه وأبناء شقيقته، وتلقى معلومات من شهود عيان تفيد بأن مجموعة شبّان، من ضمنهم أبناؤه، توجهوا نحو منطقة قريبة من "الجامعة الأمريكية"، حيث سقطت بعض أكياس الدقيق من شاحنة مساعدات.

لكن ما كان ينتظرهم هناك لم يكن خبزًا... بل رصاص الاحتلال، يقول حسن والدموع تتلألأ في عينيه.

يتابع: "طائرة استطلاع من نوع كواد كابتر أطلقت النار على الشبان. من كان في المقدّمة لم يسعفه الحظ، بينما من كان في المؤخرة استطاع الفرار".

ويضيف: "أحد الناجين أخبرني بما حدث، لكنه لم يستطع تأكيد ما إذا كان أبنائي قد أصيبوا أم اعتُقلوا".

بعد ثلاثة أيام من انقطاع الاتصال، توجّه حسن إلى المكان مجددًا، فلم يجد سوى أرض جُرفت بالكامل، وكثبان رملية نُصبت على جانبي الطريق، وآثار دماء وأحذية مبعثرة. اقترب من الكثبان رغم الخطر، لكنه انسحب سريعًا عندما شعر أن المنطقة ما زالت خاضعة للمراقبة والقصف.

الصالة الذهبية

يقول الشنتف، وهو يلهث محاولًا استحضار المشهد: "بحثت في محيط الشاحنة التي كانت تحمل الدقيق قرب الصالة الذهبية، وكانت قد دُمرت بالكامل. رأيت جثامين بجانبها، وسمعت أن قوات خاصة حاصرت المكان، وأطلقت النار عشوائيًا على كل من اقترب، بمساعدة طائرات استطلاع صغيرة".

ويتابع: "قيل لي إن الاحتلال اعتقل 13 شخصًا من هناك، من بينهم فتى عمره 13 عامًا أُطلق سراحه بعد تعرضه للضرب والإهانة، أما الآخرون فمصيرهم ما زال مجهولًا. وقد يكون ابني وأبناء شقيقتي من بينهم".

ويشير إلى أنه تواصل مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر وجميع المؤسسات المعنية، دون جدوى، فجيش الاحتلال يرفض الكشف عن مصير المعتقلين أو الشهداء من سكان غزة.

ومنذ بدء الحرب، تنقل حسن داخل القطاع 17 مرة هربًا من القصف، رافضًا النزوح نحو الجنوب رغم مزاعم الاحتلال بأنها "مناطق آمنة". وبعد انسحاب جيش الاحتلال من شمال القطاع، عاد مع عائلته إلى منزله المدمر في منطقة العمودي، وأقام خيمة على أنقاضه.

ثم اضطر إلى النزوح مجددًا بعد قصف عنيف على المنطقة، ليواصل رحلة التهجير، منتظرًا عودة "علي".

مصير مجهول

إلى جانب حسن، يجلس الحاج إبراهيم الشنتف، والد الشبان الثلاثة: زكريا (29 عامًا) المتزوج وينتظر مولوده الأول خلال أيام، وعماد (27 عامًا) المتزوج وله طفلتان، ومحمد (20 عامًا).

يقول الحاج إبراهيم، وقد حفرت التجاعيد على وجهه عمق الحزن: "ذهبوا من أجل كيس دقيق وحطب ليطعموا أبناءهم... ولم يعودوا، هل هذا كثير؟"

ويتابع: "سعينا بكل الطرق للحصول على معلومة واحدة. زودنا المؤسسات المعنية بصورهم وأوصافهم، لكن لا إجابة. الاحتلال يمنع الكشف عن مصير أي شهيد أو معتقل من غزة."

ويضيف: "حتى حين يُفرج عن أحد المعتقلين، أذهب إليه وأسأله: هل رأيتهم؟ هل تعرف عنهم شيئًا؟"

كل يوم يمرّ يحمل رجاءً جديدًا وألمًا قديمًا. يقول الحاج إبراهيم بصوت متهدّج: "أتمنى فقط أن يكونوا معتقلين، وليسوا تحت التراب. أريد أن أعرف... هل هم أحياء أم أموات؟".

ويُطالب كلٌّ من حسن وإبراهيم، الجهات الحقوقية والإنسانية، المحلية والدولية، بالتحرك العاجل لكشف مصير أبنائهم.

"لا نطلب المستحيل... فقط معلومة، فقط اعتراف: هل هم في السجون؟ هل أُعدموا؟ هل دفنوا في مكان مجهول؟"

ويختتم حسن حديثه بنبرة مكسورة: "ما زلنا نعيش على أمل كاذب... ننتظر صوتًا، صورة، أي شيء. لكن الصمت أقسى من القصف."

تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حربًا مدمّرة على قطاع غزة، خلّفت حتى الآن أكثر من 178 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين، وسط دمار شامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية.

وذكرت وزارة الصحة، أمس، في تقريرها اليومي، أن إجمالي شهداء لقمة العيش الذين وصلوا إلى المستشفيات بلغ 758 شهيدًا، وأكثر من 5,005 إصابات.

اخبار ذات صلة