اعترف جندي احتياط إسرائيلي خدم خلال ثلاث حملات عسكرية بأن وحدته كانت تتلقى تعليمات واضحة بإطلاق النار على أي شخص يدخل مناطق يصنّفها الجنود كمناطق "محظورة"، دون النظر إلى ما إذا كان ذلك الشخص يُشكل تهديداً فعليًا أو لا.
في حديثه إلى شبكة "سكاي نيوز" البريطانية، قال الجندي الذي رفض الإفصاح عن هويته، إن هذه الأوامر كانت تُنفذ بغضّ النظر عن هوية الهدف أو وضعه، ما أدى إلى مقتل مدنيين أبرياء في أماكن عشوائية، وسط قناعة سائدة داخل الوحدات القتالية بأن "كل من في غزة إرهابي حتى يثبت العكس"، مضيفًا: "نحن في منطقة معينة، والأوامر تقول بوضوح: كل من يدخلها يجب أن يُقتل. لا يُهم من هو"
نُقل الجندي مرتين إلى "ممر نتساريم"، وهو شريط استراتيجي يمتد من البحر حتى حدود إسرائيل في قلب قطاع غزة، أنشأته القوات الإسرائيلية لتقسيم القطاع جغرافيًا وتعزيز السيطرة الميدانية.
هناك، كانت وحدته تنتشر داخل منازل مهجورة تعود لعائلات نازحة، وتفرض حولها حدودًا غير معلنة يُمنع على أي فلسطيني تجاوزها.
ورسموا حوله حدوداً غير مرئية تُعرِّف المنطقة المحظورة على سكان غزة. وتابع: "في أحد المنازل التي كنا فيها، كانت لدينا منطقة واسعة. كانت هذه المنطقة الأقرب إلى حي المواطنين، وكان الناس بداخلها. وهناك خط وهمي يخبروننا بأن جميع سكان غزة يعرفونه، وأنهم يعلمون أنه لا يُسمَح لهم بعبوره، لكن كيف يمكنهم أن يعرفوا؟".
وتابع: لقد كان الأمر أشبه بكل مَن يأتي إلى هذه المنطقة، وربما يكون الأمر أشبه بمراهق يركب دراجته".
وتذكّر الجندي، في حواره مع الشبكة البريطانية، حادثة عبور رجل الحدود وإطلاق النار عليه. عندما اقترب رجلٌ آخر من الجثة لاحقاً، أُطلق عليه النار هو الآخر. ولاحقاً، قرر الجنود القبض على مَن يقترب من الجثة. وبعد ساعات، تغيّر الأمر مجدداً، فأُطلق النار على كل من يتخطى "الخط الوهمي" فور رؤيته.
وفي وقتٍ سابق، كانت وحدة الجندي متمركزة بالقرب من منطقة الشجاعية بمدينة غزة. ووصف فلسطينيين يجمعون الخردة المعدنية والألواح الشمسية من مبنى داخل ما يُسمى المنطقة المحظورة، وقال: "بالتأكيد، لا يوجد إرهابيون هناك. لكل قائد أن يختار بنفسه ما يفعله. لذا، فالأمر أشبه بعالمٍ من الخيال. لذا، قد يقرر بعض القادة ارتكاب جرائم حرب وأمور سيئة دون أن يواجهوا عواقب ذلك".
ووصف الجندي قناعة منتشرة داخل صفوف الجيش ترى أن "كل من بقي في غزة عدو"، وهي عقلية لا يتم الطعن فيها بل تُغذّى من قبل القادة. وقال: "لا يحدثونك عن احتمالية أن المدنيين قد يأتون. بل يقولون: إذا اقترب أحد، فهو إرهابي".
وفصل الجيش الإسرائيلي محافظتي غزة والشمال عن محافظات الوسط والجنوب أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وأجبر وقتها مليون فلسطيني على النزوح، تحت القصف والإبادة، إلى جنوب وادي غزة.
وأنشأ محور نتساريم، الممتد من كيبوتس "بئيري" في غلاف غزة إلى البحر الأبيض المتوسط، بطول 8 كيلومترات وعرض 7 كيلومترات، بهدف عزل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وتأمين تحركات قواته بين مناطق التمركز العسكرية.
ويُعرف المحور إسرائيليًا بأنه كان مركز العمليات العسكرية التي أعقبت الاجتياح البري لقطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث لعب دورا رئيسيا في تقسيم القطاع جغرافيا واجتماعيا، مما أدى إلى عزل آلاف العائلات وتأزيم الأوضاع الإنسانية في المناطق الشمالية، قبل الانسحاب منه في الاتفاق الأول لوقف اطلاق النار في غزة يناير الماضي.

