صعدت حكومة الاحتلال بشكل كبير وتيرة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، خلال الفترة الأخيرة، وذلك في سياق سياسة ممنهجة تهدف إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية وتفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين الأصليين.
وتزامن توسيع الاحتلال للاستيطان في الضفة الغربية والقدس مع نقل مزيد من المستوطنين إلى الضفة الغربية المحتلة، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي الذي يجرم نقل السكان المدنيين إلى أراضٍ محتلة.
وترافقت هذه الخطوات مع حملة هدم واسعة النطاق لمنازل المواطنين ومنشآتهم، ما أدى إلى تهجير قسري لمئات العائلات.
وتزايد مع الاستيطان عنف المستوطنين بشكل خطير، حيث تسجل يوميًا اعتداءات جسدية ومادية ضد المواطنين.
من جانبه، أكد الباحث والمختص في شؤون الاستيطان، عبد الهادي حنتش، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي كثفت في الأشهر الأخيرة أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، مستغلة انشغال الرأي العام العالمي بالحرب الدائرة في قطاع غزة وإيران.
وقال حنتش لصحيفة "فلسطين": إن "هذه الأنشطة تركزت بشكل خاص في المناطق الشمالية والجنوبية من الضفة، وأسفرت عن تسارع في عملية فصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني، إلى جانب تعزيز المستوطنات التي تمزق الجغرافيا الفلسطينية وتقطع أوصال المدن والقرى".
وأوضح حنتش أن أحد أبرز المشروعات الاستيطانية الجاري تنفيذها في هذه المرحلة لا يقتصر على الضفة الغربية فقط، بل يمتد إلى داخل أراضي عام 1948، وتحديدًا في منطقة النقب.
وبين أن مشروع "برافر" الذي تنفذه حكومة الاحتلال الإسرائيلية هناك يستهدف السيطرة على أراضي الفلسطينيين البدو وحرمانهم من حقوقهم التاريخية عبر تهجيرهم من قراهم غير المعترف بها وتوسيع نطاق المستوطنات اليهودية.
وأشار حنتش إلى أن هذا المشروع في النقب لا يمكن النظر إليه بمعزل عن المخططات الاستيطانية في الضفة الغربية، بل يشكل حلقة مترابطة ضمن رؤية استراتيجية شاملة تسعى من خلالها سلطات الاحتلال إلى تنفيذ عملية ضم فعلية وغير معلنة للمناطق الفلسطينية، من خلال الدمج التدريجي بين الاستيطان في الضفة ومناطق الخط الأخضر.
بدوره، أكد المختص في شؤون الاستيطان خليل التفكجي أن الاحتلال الإسرائيلي يمضي في تنفيذ مخطط استراتيجي ممنهج يستهدف إذابة شرق القدس داخل القدس الغربية، بهدف تحويل المدينة إلى "عاصمة موحدة ذات طابع عبري" لدولة الاحتلال، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لأي تسوية سياسية مستقبلية تتضمن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
وقال التفكجي في حديثه لصحيفة "فلسطين": "المخطط يتضمن ثلاث مراحل متعاقبة؛ أولها تطويق الأحياء الفلسطينية بسلسلة من المستوطنات، تليها إقامة بؤر استيطانية داخل تلك الأحياء، ثم تفكيك الترابط الجغرافي بين الأحياء الفلسطينية وتشتيت سكانها، بحيث تتحول إلى جيوب متناثرة محاطة ببيئة يهودية كاملة".
وأوضح التفكجي أن هذا السيناريو يتجلى بوضوح في مشاريع استيطانية تنفذها سلطات الاحتلال في حيي الشيخ جراح وأم ليسون، حيث يتم تقسيم حي الشيخ جراح إلى قسمين؛ أحدهما يحتوي على مؤسسات إسرائيلية، فيما يمر من الجهة الجنوبية للحي خط استيطاني يمتد من جبل المشارف وصولًا إلى القدس الغربية.
وأشار إلى أنه يتم حاليًا إنشاء بؤرتين استيطانيتين جديدتين ضمن هذا الإطار؛ الأولى هي كنيس "أورت سيمح"، ويتكون من تسعة طوابق ويقام على أرض تمت مصادرتها منذ عام 1968، والثانية هي مشروع "الشيخ جراح الغربي"، والذي يتضمن بناء 316 وحدة استيطانية على مساحة 17 دونمًا.