"كنا نسابق الزمن لإسعاف المصابين، أما اليوم فنحتاج إلى وقود لنصل إلى الحدث"، يقول المسعف شادي أبو شعبان بحسرة، وهو يقف أمام سيارة الإسعاف في ساحة مستشفى الشفاء بمدينة غزة، قبل الانطلاق في مهمة عمل.
ينظر إلى خزان الوقود شبه الفارغ، الذي لا يحتوي سوى على 10 لترات فقط، وهي الحصة اليومية المخصصة لكل سيارة بفعل أزمة الوقود الخانقة، فيحسب كل قطرة وكل متر ستقطعه المركبة وجدول المهمات المتبقية.
ورغم تلقيه ثلاث إشارات بوجود استهدافات إسرائيلية، لم يتمكن أبو شعبان من التحرك بسبب نفاد الوقود. وبشق الأنفس، تمكن المسعفون من توفير سيارة أخرى توجّهت إلى مكان الحدث ونقلت المصابين.
يعمل أبو شعبان في قسم الإسعاف والطوارئ بمستشفى الشفاء، الذي يضم 17 سيارة إسعاف، ويتلقى القسم يوميًا 150 لترًا فقط من الوقود، أي 10 لترات لكل مركبة، وهي كمية بالكاد تكفي لتنفيذ استجابة أو اثنتين. ومع حلول المساء، تنفد الكمية، مما يعطّل الاستجابة لأي استهدافات ليلية.
مناشدات لا تُلبى
يقول أبو شعبان لصحيفة فلسطين، وهو على وشك التحرك في مهمة إسعاف: "أزمة الوقود تمنعنا من التحرك لإنقاذ الأرواح، فما نستلمه لا يغطي 10% من الاحتياج اليومي. نحاول تقليص العمل وتحديد الأولويات، لكن ذلك يؤثر سلبًا على المصابين للأسف."
ويتابع: "كل قطرة وقود تعني حياة لمصاب، وتوقف السيارة قد يعني فقدان هذه الحياة. أكثر ما يؤلمنا أن تصلنا إشارات استغاثة ونقف عاجزين بسبب نفاد الوقود. مهنتنا إنسانية، وواجبنا مقدّس، لكن العجز القسري يشعرنا بالتقصير والمرارة."
ويُضيف المسعف أمجد حمادة، الذي عمل مؤخرًا في المحطة المركزية للإسعاف بمدينة غزة، أن المحطة تواجه أيضًا أزمة حادة في الوقود، مما أدى إلى عدم الاستجابة لـ سبع مناشدات في يوم واحد.
يقول حمادة لصحيفة "فلسطين": "رغم الأزمة، هناك حالات لا يمكننا تركها مثل ضحايا الاستهدافات، والنساء في حالات الولادة، والمناشدات الليلية. أما في الحالات الأقل خطورة مثل إصابات السقوط، فنطلب من الأهالي نقل المصاب بسيارة خاصة أو عربة."
ويتابع: "خلال مناوبتي الأخيرة، أجلينا 23 مصابًا وثلاثة شهداء من منطقة شمال غزة. ومع حلول المساء، كانت كمية الوقود في سيارة الإسعاف قد وصلت إلى الربع، ما يعني أن اليوم التالي سيكون صعبًا للغاية."
وتقلص عدد سيارات الإسعاف في المحطة المركزية إلى 3 من أصل 11 بسبب استهدافات الاحتلال المتكررة، وأزمة الوقود المتفاقمة.
في الظروف الطبيعية، كانت إسعافات المحطة المركزية تستجيب لجميع النداءات، وتنقل المرضى بين المستشفيات والعيادات، وتغطي حوادث الطرق والاستهدافات.
سيارات تتوقف
يقول فادي عفانة، رئيس قسم الإسعاف بمستشفى الشفاء، إن البروتوكول الطبي يفرض نقل مريض واحد فقط في كل سيارة، لكن في ظل شح الوقود، يُضطر المسعفون لنقل حالتين أو ثلاث في السيارة الواحدة، ما يُعرّض المرضى للخطر ويُصعّب على الطواقم التعامل مع الحالات الطارئة.
ويضيف عفانة لـ"فلسطين": "في السابق، كانت كل سيارة إسعاف تحصل على 20 لترًا من الوقود يوميًا، أما اليوم فلكل منها 10 لترات فقط. هذا لا يغطي الحد الأدنى من الاستجابة، خاصة في ظل تهالك المركبات."
وأكد أن الأزمة أثّرت بشكل خاص على نقل الإصابات من منطقة "زيكيم" لبعد المسافة، ما يستهلك كمية كبيرة من الوقود. ويلجأ الأهالي أحيانًا لنقل المصابين بوسائل بدائية للتخفيف من الضغط على سيارات الإسعاف.
ويشير إلى حادثة حصلت مؤخرًا في شارع الرشيد شمال غزة، حيث توقفت سيارة إسعاف عن العمل بسبب نفاد الوقود، واضطرت طواقم الإسعاف إلى سحبها بواسطة سيارة أخرى، مما أعاق الاستجابة للمناشدة.
يحذّر عفانة من أن استمرار أزمة الوقود قد يؤدي إلى توقف كامل لخدمة الإسعاف، ما يشكل خطرًا مباشرًا على حياة المصابين، مطالبًا المؤسسات الدولية بسرعة التدخل لتوفير الوقود لسيارات الإسعاف.
ويوضح أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف عددًا كبيرًا من مركبات الإسعاف، مما أدى إلى تقلص عددها إلى 40 سيارة فقط في قطاع غزة، منها 17 سيارة تعمل في مدينة غزة وشمال القطاع، بعد أن كان العدد قبل الحرب 117 سيارة.

