الأيتام هم الشعب الفلسطيني في هذه الأيام، فلا أب سياسي لهم، يحتضن مواقفهم وتضحياتهم، ويأخذ بيدهم على طريق التحرير من الاحتلال، ولا أم قيادية واحدة لهم تضم أشلاءهم، وتبعث عزمهم، الفلسطينيون يعيشون اليوم أيتاماً بلا أب وبلا أم على هامش الصدقة الدولية، التي تكفل لهم طعام العشاء، على أمل أن تلملم لهم من المحسنين وجبة الإفطار!.
قد يهب البعض غاضباً وصارخاً، ويقول: لنا أب اسمه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي المسؤولة عن كل قرار سياسي، وهي التي توجه المسيرة من نصر إلى نصر!!
وقد يصرخ البعض، قائلاً: بل لنا أم حنونة، تراعي شؤون أبنائها في غزة والضفة الغربية دون تمييز، وتهتم بأحوالهم، واسمها السلطة الفلسطينية، تشفق علينا جميعاً، وتقطب جراحنا، وتنفق علينا، وتسهر الليل من أجلنا، وتحفظ أمننا.
والحقيقة هي أن الشعب الفلسطيني يتيم الأب والأم؛ وذلك لأن الأب العاجز أسوأ تأثيراً على الأولاد من الأب الميت، فلو مات الأب عملياً لوجد أبناؤه أكثر من مؤسسة اجتماعية تقف معهم، ولوجد أكثر من محسن وفاعل خير يقدم لهم المعونة والمساعدة والتوجيه والإرشاد والرعاية والتبني.
ولأن الأم التي تتعاون مع المخابرات الإسرائيلية أمنياً هي أسوأ من أم ميتة، أو غائبة أو مشغولة، فلو ماتت الأم لوجد أبناؤها أكثر من جارة وخالة وصديقة للعائلة؛ تقدم يد العون لهم، وتغسل لهم ملابسهم، وتعد طعامهم، وتأخذ بيدهم على طريق النجاة.
الشعب الفلسطيني اليتيم بحاجة إلى أب واحد قوي جريء واثق من كفاءة أبنائه وقدراتهم، أب يعيش كل الوقت يفكر في ترميم البيت، ورفع شأن العائلة، أب يهمه أمن أولاده، ولا يهمه أمن الآخرين، أب يهتم بأولاده جميعهم، ويوحد خطواتهم، وينسق بين قدراتهم، ويأمر أمهم بأن ترتب بيت أولادها، لا أن ترتب بيوت الآخرين، وتسهر على أمنهم.
الشعب الفلسطيني بحاجة إلى أم لا تنام في الليل إلا بين أولادها، ولا ترعى في النهار إلا بيتها، ولا تحرص كل الوقت إلا على أمن وسلامة أبنائها، ولا يهمهما أمن أعدائها من قريب أو بعيد.