حذّر رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك من "الغرور والعجرفة" التي تُهيمن على الخطاب الإسرائيلي الرسمي عقب الضربة الجوية الأخيرة ضد منشآت إيرانية، مؤكدًا أن تلك العملية لم تحقق الهدف الإستراتيجي المأمول، ولن تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، حذر باراك، وهو قائد أركان ووزير أمن سابق أيضًا، اليوم، من حالة النشوة ومزاعم أوساط رسمية، على رأسها نتنياهو، وإعلامية، حول تدمير القدرات النووية الإيرانية.
ويرى باراك أن “التهديد لا يزال قائمًا، وسيبقى كذلك، بما في ذلك التهديد بأن طهران ستصل، في توقيت تختاره هي، إلى تفجير منشأة نووية ما في الصحراء، لإثبات قدرتها، أو إذا أرادت الوصول إلى بناء سلاح نووي أولي”.
ويعلل باراك “رشه الماء البارد” على حالة النشوة الإسرائيلية بالقول: “أصبنا منشآت مادية في البرنامج النووي، وسنصيب منشآت وقدرات أخرى، غير أننا لم ولن نؤخر بأكثر من عدة أسابيع قدرتها على بلوغ سلاح نووي، بسبب ما لديهم من مادة انشطارية تكفي لعشر قنابل، والمعرفة الضرورية لإنتاجها”.
كما يوضح باراك أن جيل المنشآت القادم يتم بناؤه بالفعل في عمق 800 متر، ويضيف: “طبقًا لوكالة الطاقة الذرية الدولية، فإنهم يخفون هناك بالفعل الأجزاء الحساسة من البرنامج النووي”.
ومن هنا، يشكك باراك أيضًا بالقدرات الأمريكية على تدمير المشروع النووي الإيراني، ويتابع: “الحقيقة أن الأمريكيين أيضًا لم يعد بإمكانهم تأخير وصول الإيرانيين إلى السلاح النووي بأكثر من عدة أشهر. إذا تحقق الأمل في أن الضربة الإسرائيلية ستعيد الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات، فذلك حسن. لكن إن لم يحدث، فإن الطريقة الوحيدة، حتى بالنسبة للولايات المتحدة، لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، هي إعلان الحرب على النظام نفسه حتى إسقاطه. وإسرائيل لا يمكنها فعل ذلك بمفردها. ترامب لن يقود حملة كهذه، فقراره "بهزيمة" الحوثيين، على سبيل المثال، صمد نحو ستة أسابيع فقط".
كما يدعو باراك، على خلفية هذا الإنجاز، لفتح مسار فوري لتحرير الأسرى، وإنهاء الحرب في غزة، وإذا أمكن أيضًا للمضي نحو تطبيع العلاقات مع السعودية.
ويطالب باراك بتوقف الحكومة فورًا عن الانقلاب القضائي، وعن "الجنون الساعي لتفكيك المجتمع الإسرائيلي"، وخلص إلى التحذير بالقول: "كلما استمرت، تحت غطاء الحرب، عملية تحويل إسرائيل إلى دكتاتورية فعلية، فلابد من الاستمرار بالعمل على استبدال الحكومة ورئيسها. نعم، حتى في زمن الحرب".
بالمقابل، انتقد محلل الشؤون الاستخباراتية يوسي ميلمان التصعيد الإسرائيلي، مؤكدًا أن الضغط على المدنيين الإيرانيين لن يسقط النظام، مستشهداً بتجربة حرب إيران والعراق، حيث صمدت طهران أمام آلاف الصواريخ والهجمات الكيميائية دون أن تنهار.
وأضاف ميلمان في تغريدة على منصة "إكس" أن "كل من يحلم بتفجيرات مكثفة في طهران عليه أن يُفكر مرتين"، محذرًا من أن إيران سترفض وقف الحرب في حال طُلب منها ذلك لاحقًا، بعدما تكون تل أبيب قد استنزفت طاقاتها العسكرية والسياسية.
ودعا ميلمان قيادة الاحتلال إلى "وقف الجنون" والعودة إلى اتفاق معقول بوساطة أمريكية، محذرًا من وهم إسقاط النظام الإيراني عبر الضغط الشعبي.
ويعلل رؤيته المتحفظة بالقول: "إن إيران تعرّضت خلال حرب الاستنزاف مع العراق لضربات سلاح الجو العراقي، ولآلاف صواريخ سكود، وللسلاح الكيماوي، لكن روح الإيرانيين لم تنكسر إلا بعد ثماني سنوات”. ويضيف: “بسبب صواريخ السكود العراقية، قررت إيران تطوير البرنامج الصاروخي".
ويؤكد ميلمان أن حالة النشوة قصيرة. ففي يوم الجمعة صباحًا، سألت: هل كان أصلًا هناك حاجة لفتح الحرب ضد إيران؟
ويعلل تساؤله بالقول: "تاريخيًا، كان الشيعة مستعدين للوجع والمعاناة. أوصي بأن نقوم باختصار الخسائر، بالتوجّه إلى ترامب لوقف الجنون عبر اتفاق معقول، وإلا سنضطر في نهاية المطاف للتوسل لوقف النار، وإيران سترفض".
ومنذ فجر الجمعة، شنَّت "إسرائيل"، وبدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، أسمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
وفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران بعملية اسمتها "الوعد الصادق 3"، الرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، بلغ عدد موجاتها حتى الآن ستة، ما أدى – بحسب وسائل إعلام عبرية – إلى مقتل 13 مستوطنًا وإصابة المئات بجروح متفاوتة، فضلا عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات.

