فلسطين أون لاين

​مسيرة حركة "حماس" خلال 29 عامًا

...
صورة أرشيفية - (أ ف ب)
غزة - قدس برس

في الـ 14 من كانون أول/ ديسمبر من كل عام، تحيي حركة "حماس" الذكرى السنوية لانطلاقتها، والتي تعود إلى عام 1987، حيث تحتفي الحركة هذا العام بالذكرى الـ 29.

وكانت حركة حماس، قد انطلقت عقب عقد اجتماع برئاسة الشيخ أحمد ياسين (استشهد في 22 آذار/ مارس 2004) في منزل عضو المكتب السياسي للحركة نزار عوض الله، بحي الصبرة (جنوبي غرب مدينة غزة) مع ستة من قادة الحركة الإسلامية لمواكبة أحداث الانتفاضة الأولى (اندلعت في أوائل ديسمبر 1987).

وحضر الاجتماع كل من؛ عبد العزيز الرنتيسي (استشهد في 17 نيسان/ ابريل 2004)، صلاح شحادة (استشهد في 22 تموز/ يوليو 2002)، محمد شمعة (توفي في 10 حزيران/ يونيو 2011)، عبد الفتاح دخان، إبراهيم اليازوري، عيسى النشار.

وصدر عن ذاك الاجتماع، البيان الأول للحركة الذي يدعو إلى تصعيد الانتفاضة بكل الوسائل، حيث تم نشره في قطاع غزة والضفة الغربية، واعتبر بيان الانطلاقة.

وتعود جذور حركة "حماس" (الحركة الإسلامية) إلى خمسينات القرن الماضي، حيث تعتبر نفسها "مكملة لمسيرة حركات المقاومة الإسلامية المعاصرة، وحلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزو الصهيوني تتصل وترتبط بانطلاقة عز الدين القسّام عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب 1948 والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعده"، وذلك بحسب المادة الخامسة من ميثاقها.

واتخذت الحركة على مدار تاريخها العديد من الأسماء، قبل أن تستقر على هذا اسم "حماس"، حيث أطلق عليها عدة أسماء منها؛ الحركة الإسلامية، الشباب المسلم، والمجمع الإسلامي.

وتؤكد حماس، أنها حركة شاملة مؤسسية، تمثل مقاومة الاحتلال عمودها الفقري ومشروعها الاستراتيجي، وتعمل كذلك في مختلف الميادين؛ السياسية والدبلوماسية والإعلامية (...)، وتتحرك على مختلف الصعد؛ الفلسطينية، العربية والإسلامية والدولية.

وتُعد المرحلة التي سبقت الإعلان رسميًا عن انطلاقة الحركة "مرحلة الإعداد"، حيث رأت فيها أنها مهمة لمواصلة الاستمرار في ظل مواجهة مشروع إسرائيلي مدعوم غربيًا، ويحتاج لمرحلة كبيرة من الإعداد والتجهيز لإتمام مشروع التحرير.

صاغت حماس ميثاقها، الذي عبّر عن أفكارها وتوجهاتها وكشف هويتها وبيّن موقفها وأوضح تطلعاتها وأهدافها، في 18 آب/ أغسطس 1988، وتكون من 36 مادة موزعة.

كان لحركة "حماس" دور كبير في الانتفاضة الأولى وإعطاءها زخمًا، حيث تعرضت الحركة لأولى الضربات في نيسان/ أبريل من عام 1988، وذلك باعتقال العشرات من نشطاء وقادة الحركة، ووجهت لها الضربة الثانية في أيار/ مايو من عام 1989م، وكانت الأكبر التي تعرضت لها حماس، حيث طالت المئات من أنصارها في مقدمتهم الشيخ ياسين وعدد من قادتها.

ظنّت الدولة العبرية أنها قضت على حركة "حماس"، قبل أن تُفاجأ بصدور بيان جديد للحركة بعد شهرين من حملة الاعتقالات، حيث تمكن آنذاك موسى أبو مرزوق من زيارة قطاع غزة وإعادة تشكيل قيادة الحركة، ما اعتبر بداية تشكيل المكتب السياسي لحماس، والذي اتخذ من العاصمة الأردنية (عمّان) مقرًا له.

وأعيد تشكيل الجهاز العسكري للحركة "مجاهدو حماس"، الذي كان قد أسسه صلاح شحادة قبل اندلاع الانتفاضة، ونفذ عدة عمليات فدائية بقيادة الوحدة "101"؛ منها خطف وقتل الجنديين الإسرائيليين: إيلان سعدون وآفي سسبوترس، مجددًا على أيدي مجموعة من القادة الشباب منتصف عام 1991، وحمل اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام".

ونفذ القسام أول عملياته بشكل رسمي في الأول من كانون ثاني/ يناير 1992، وذلك بقتل كبير حاخامات مستوطنة "كفار داروم" وسط قطاع غزة، دورون شوشان. فيما نفذت الحركة سلسلة عمليات فدائية أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين.

وفي 17 كانون ثاني/ يناير 1992، تعرضت حركة "حماس" لضربة جديدة، وذلك بإبعاد 415 من قادتها وقادة حركة "الجهاد الإسلامي" إلى منطقة "مرج الزهور" (جنوب لبنان)، وقد عادوا بعد عامين من الإبعاد والاعتقال.

رفضت الحركة مفاوضات التسوية التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990؛ سواء مؤتمر مدريد للسلام أو اتفاق "أوسلو" الذي وقع بين المنظمة والحكومة الإسرائيلية في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، وجاء بالسلطة الفلسطينية لبسط سيادتها على قطاع غزة ومدينة أريحا في الضفة الغربية في نيسان/ أبريل 1994، والسماح لقوات الأمن الوطني دخول القطاع وتشكيل أجهزة أمنية.

رفضت الحركة الدخول في أول انتخابات تشريعية ورئاسية تقام في الأراضي الفلسطينية في كانون ثاني/ يناير 1996، بحجة أن هذه السلطة محكومة بسقف اتفاق أوسلو، والتي أفرزت أول مجلس تشريعي فلسطيني منتخب معظمه من حركة "فتح"، وكذلك انتخاب ياسر عرفات (قائد فتح ورئيس منظمة التحرير) كأول رئيس للسلطة.

تمكنت المخابرات الإسرائيلية في الخامس من كانون ثاني/ يناير 1996 من اغتيال أحد أبرز مصنعي القنابل في الحركة؛ يحيى عياش، والذي انتقل من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، عبر تفجير هاتفه النقال.

وفي آذار/ مارس 1996 تمكنت حماس من تنفيذ سلسلة عمليات فدائية في قلب الدولة العبرية موقعة العشرات من القتلى ردًا على اغتيال عياش، ما دفع السلطة الفلسطينية إلى توجيه ضربة كبيرة للحركة، حيث تم اعتقال المئات من عناصرها وقادتها وإغلاق كافة مؤسسات والجمعيات التابعة لها.

ونجا خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي للحركة) في 25 أيلول/ سبتمبر 1997 من عملية اغتيال بعد حقنه بمادة كيمائية سامة، من قبل عناصر الموساد الإسرائيلي في أحد شوارع العاصمة الأردنية، حيث تم اعتقال المنفذين وجلب الترياق لإنقاذ مشعل بعد دخوله في غيبوبة، وتم الإفراج عن الشيخ ياسين مقابل إطلاق سراح عنصري الموساد الذين نفذا الهجوم الفاشل.

وبالتزامن مع الإفراج عن الشيخ ياسين أفرجت سلطات الاحتلالالإسرائيلية عن عدد من قادة حماس، تباعًا بعد عودتهم من مرج الزهور لتعود قيادة الحركة التاريخية وتديرها مجددًا، وذلك في ظل الكثير من المتغيرات المحلية والعربية والدولية.

قامت السلطات الأردنية بإغلاق مكاتب حركة حماس في 1999، حيث غادر أعضاء المكتب السياسي إلى سوريا واتخذوا دمشق مقرًا لهم حتى اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لينتقل مقر المكتب السياسي إلى العاصمة القطرية (الدوحة).

ومع اندلاع "انتفاضة الأقصى" في أيلول/ سبتمبر 2000 (الانتفاضة الثانية) دخلت الحركة بكل قوة فيها، والتي سرعان ما تحولت لاحقًا إلى انتفاضة مسلحة، حيث نفذت حماس سلسة عمليات فدائية وأوقعت عشرات القتلى في صفوف الاحتلال.

وخلال هذه الانتفاضة، اغتالت الدولة العبرية معظم قادة الحركة التاريخيين، وعلى رأسهم الشيخ ياسين، فيما أطلقت حماس أول صاروخ من قطاع غزة تجاه المستوطنات المحيطة في القطاع بعد ستة أشهر من اندلاع الانتفاضة.

ورفضت الحركة الكثير من المبادرات الدولية والعربية لوقف الانتفاضة، والتي كانت تتبناها السلطة، مثل مبادرة "تينت" و"متيشل"، مما تسبب في بعض الإشكاليات مع السلطة الفلسطينية، إلا أنها وافقت على التهدئة مع الاحتلال في صيف عام 2002، والتي رد عليها الاحتلال باغتيال شحادة بعد أيام من موافقة الحركة عليها.

وعملت الحركة خلال "انتفاضة الأقصى" على تطوير قدراتها القتالية وترسانتها العسكرية بإنتاج الآلاف من الصواريخ وبأجيال مختلفة وكذلك تشكيل "جيش المرابطين"، الذي انضم لاحقًا إلى "كتائب القسام" وكانت مهمته التصدي للتوغلات الإسرائيلية.

رفضت الحركة مطلع 2005 خوض الانتخابات الرئاسية أو دعم أي من المرشحين المستقلين، والتي أسفرت عن فوز محمود عباس، والذي أقنع قيادة الحركة لاحقًا بالذهاب إلى القاهرة حيث أجرى حوارات مكثفة معها في ربيع ذلك العام، نتج عنها اتفاق القاهرة الذي أعلنت الحركة من خلاله أنها ستدخل الانتخابات التشريعية والموافقة على تهدئة جديدة مع الاحتلال برعاية مصرية ودخول انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.

وفي 25 كانون ثاني/ يناير 2006 اكتسحت الحركة الانتخابات البرلمانية بأغلبية ساحقة، وذلك بعد فوزها في الجولة الأولى من الانتخابات المحلية "البلديات"، وقد تمكنت الحركة من تشكيل أول حكومة في آذار/ مارس 2006 برئاسة إسماعيل هنية أحد قادة حماس.

بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة، وتحديدًا في 25 من حزيران يونيو من نفس العام، تمكنت الحركة من اختطاف الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في عملية فدائية كبيرة نفذها مقاتلوها جنوب شرق قطاع غزة، حيث احتفظت الحركة به لمدة خمس سنوات قبل أن وافق الاحتلال الإسرائيلي خلال مفاوضات غير مباشرة الإفراج عن 1027أسير فلسطيني جُلّهم من كبار قادة الحركة الأسيرة وقدامى الأسرى مقابل الإفراج عن شاليط.

بعد تشكيل حماس للحكومة العاشرة، رفضت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تنفيذ أوامر وزير الداخلية في الحكومة سعيد صيام (استشهد في 15 كانون ثاني/ يناير 2009) مما دفعه لتشكيل أول جهاز أمني موازي لها لتنفيذ أوامره وضبط الأمن (القوة التنفيذية)، حيث كانت تسود حالة من الانفلات الأمني تطورت لتصبح اشتباكات مسلحة بين الحركة وعناصر من تلك الأجهزة الأمنية.

وفي ظل تلك الأحداث، دعت السعودية الحركتين للحوار مع حركة فتح في مكة المكرمة ونتج عنه في آذار/ مارس 2007 "اتفاق مكة"، والذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة هنية والتي لم تستمر أكثر من ثلاثة أشهر، حيث عادت الاشتباكات المسلحة مجددًا، مما دفع الحركة إلى أن تحسم الأمر عسكريًا في قطاع غزة وتسيطر على القطاع.

بعد ذلك، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا مشددًا على قطاع غزة (مستمر حتى اليوم)، تعرّض خلالها القطاع لثلاثة حروب كبيرة تصدت لها حركة "حماس" بشكل كبير، وقصفت تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع، فيما أعلنت الحركة أن في قبضتها أربعة من جنود الاحتلال.

وقد عقدت بعد ذلك عدة اتفاقات مع حركة "فتح" للمصالحة، وشكلت حكومة الوفاق الوطني في حزيران / يونيو 2014، إلا أن قطاع غزة ظلّ خارج أجندة هذه الحكومة، حيث يتم إدارته من قبل حركة "حماس" في ظل عدم قيام الحكومة بالدور المنوط بها تجاه السكان، مع بقاء معبر رفح مغلقًا في وجع المسافرين ويفتح بشكل استثنائي كل فترة للحالات الإنسانية، ويستثنى من ذلك العام الذي حكم فيه الرئيس المصري محمد مرسي من 30 حزيران/ يونيو 2012 وحتى الثالث من تموز/ يوليو 2013، حيث كانت الفترة الذهبية للحركة ولقطاع غزة في إعادة الاعمار وتخفيف الحصار.