فلسطين أون لاين

عيدٌ تحت الرماد

غزة تستقبل الأضحى بلا لحمٍ ولا فرح

...
غزة تستقبل الأضحى بلا لحمٍ ولا فرح
غزة/ مريم الشوبكي

صباح عيدٍ لا يشبه سواه، استيقظت غزة على أصوات الطائرات لا على تكبيرات العيد، وعلى رائحة الدخان لا على نكهة القهوة والبهجة.
 الشوارع خالية إلا من الركام، والبيوت التي ما زالت تقف، تسكنها أرواح مثقلة بالجوع والخوف والفقد.

في شارع الوحدة شرق غزة جلست أم محمود عودة نازحة من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة أمام خيمة صغيرة نصبتها بعد أن سُوِّي بيتها بالأرض قبل أشهر.

تهمس بصوت يكاد لا يُسمع: "كنا في مثل هذا اليوم نذبح الأضحية، ونوزع اللحم على الجيران، ونرتّب ثياب الأطفال الجديدة. اليوم، لا لحم، لا ملابس، لا بيت، ولا حتى جيران… كلهم شتّتهم الحرب، أو أخذتهم."

حتى صوت الخراف، والمواشي غاب هذا العيد أيضا، فلا رائحة زفرة دماء الأضاحي التي كان يذبحها أصحابها أمام عتبات البيوت عادة بعد صلاة فجر أول يوم في العيد، ويسيل دمها ليملأ الشوارع، وحرم الأطفال للعام الثاني من أن يلتفوا حول الأضحية مشدوهين من المنظر، وفرحين في ذات الوقت بأجواء العيد.

الأطفال، الذين كانوا في مثل هذا اليوم يرتدون الجديد وينتظرون "العيدية"، يجلسون حفاةً بملابس ممزقة، يحدّقون في وجوه آبائهم بصمت لا يفهمونه.

لا صوت للفرح، لا رائحة للشواء، لا زيارات عائلية ولا ضحكات، فقط انتظار طويل لأي خبر عن هدنة، عن شحنة مساعدات، عن لحظة نجاة.

في بعض مناطق الجنوب، ذبح الأهالي دجاجة أو ديكًا بدلًا من الأضحية، في محاولة يائسة لتذكير أطفالهم بمعنى العيد، لكن حتى هذا بدا ترفًا في ظل مجاعة تزداد شدةً كل يوم.

"اشترينا الدجاجة بثمن خيالي، فقط لنرسم بسمة، لكن الطفل بعد أن أكل بكى، قال لي: أين لحم الأضاحي؟" تقول أم محمد زعرب من خانيونس.

في مستشفى الشفاء، لم تتوقف صفارات سيارات الإسعاف. أجساد ملفوفة بكفن أبيض تدخل واحدة تلو الأخرى. هنا العيد يُستقبل بالدعاء للناجين، لا بالتهاني. حتى الأطباء، المنهكون من طول الكارثة، يكتفون برفع أعينهم للسماء، يطلبون رحمة لم تأتِ بعد.

المساجد التي بقيت واقفة وسط أنقاض البيوت خوت من المصليين الذين يأتون لصلاة العيد، ويتبادلون التهاني، ويمنحون الأطفال الفرحة في كيس حلوى، لم يفعلون ذلك للعام الثاني على التوالي

الحديث عن الأضاحي صار ضربًا من الترف، وعن ملابس العيد حكاية من زمنٍ غابر. وحدها غزة تحيي عيد الأضحى دون أضاحٍ، دون أمان، دون طمأنينة. عيد لا يُشبه شيئًا سوى الحصار والموت والجوع.

وفي نهاية اليوم، جلست عائلات بأكملها تتقاسم قطعة خبز يابسة أو علبة فاصولياء منتهية الصلاحية. لكنهم ما زالوا يبتسمون للكاميرا، يرددون بضع كلمات شكر على السلامة، ويصرون على تمني "عيدكم مبارك"، رغم أن كل شيء حولهم ينفي أن للعيد طعمًا أو وجودًا.

المصدر / فلسطين أون لاين