وسط حرب شرسة، وحصار مستمر، وانهيار شبه كامل لمنظومة الأمن الغذائي في قطاع غزة، انطلقت مبادرة "غذاؤنا من أيدينا" كمشروع شعبي يسعى إلى إعادة الزراعة إلى المنازل وتحويل كل بيت إلى مساحة إنتاج غذائي، بما يخفف من وطأة الجوع ويعزز من صمود الناس وكرامتهم.
منطلق الحاجة
أوضح ، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في الجامعة الإسلامية الدكتور عبدالرؤوف علي المناعمة ، أن المبادرة نشأت من الحاجة الملحة والواقعية لتأمين الغذاء محليًا، بعد أن أصبح الاعتماد على الأسواق والمساعدات شبه مستحيل بسبب تدمير سلاسل الإمداد وتواصل العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.
ولفت استاذ علم الأحياء الدقيقة ل"فلسطين" إلى أن الفكرة تقوم على مبدأ الإنتاج الذاتي، من خلال استغلال المساحات الصغيرة مثل الأسطح، الساحات، الزوايا وحتى الأواني التالفة، لزراعة الخضروات أو تربية الدواجن بوسائل بدائية ولكن فعالة.
قيادة شعبية
وأشار المناعمة إلى أن المبادرة لا تتبع أي جهة رسمية، بل تأسست من قبل مجموعة من المتطوعين والخبراء والنشطاء في الزراعة المجتمعية، مثل الدكتور سعود الشوا والمهندس نزار الوحيدي، إلى جانب حشد واسع من الشباب المتحمس والعائلات المهتمة.
وأضاف أن ما يميز "غذاؤنا من أيدينا" هو كونها مبادرة مستقلة بالكامل، لا تخضع لأي تمويل خارجي حتى اللحظة، وتعتمد على الجهد الذاتي والعمل الجماعي.
طاقة تطوع
وبيّن أن اللجنة التأسيسية والاستشارية للمبادرة فتحت باب التطوع، فاستجاب أكثر من 200 شخص خلال يومين فقط، من مختلف التخصصات، ما يعكس تعطش الناس للمشاركة في حل جماعي يعزز من صمودهم أمام التحديات اليومية.
واستهدفت المبادرة جميع شرائح المجتمع، مع تركيز خاص على العائلات المتضررة، لا سيما النازحين، النساء، الأطفال، وكبار السن.
كما تسعى المبادرة إلى دمج المدارس والمراكز المجتمعية في مشاريع الزراعة المنزلية، بهدف غرس ثقافة الاكتفاء الذاتي لدى الأجيال الجديدة.
أهداف واضحة
وتهدف "غذاؤنا من أيدينا" إلى تحقيق مجموعة من الغايات الجوهرية، منها: تعزيز الأمن الغذائي الذاتي، تمكين النساء والأطفال من المشاركة في الإنتاج الغذائي، إعادة إحياء ثقافة الزراعة الشعبية، تقليل الاعتماد على المساعدات، وتحسين التغذية والصحة العامة.
وأكد المناعمة أن المبادرة بدأت فعليًا في مايو 2025، وتستمر دون سقف زمني محدد، لأن جوهرها ليس مرحليًا بل تغييريًا وسلوكيًا. وقال إن الفكرة قابلة للنقل والتكرار، وقد تتحول إلى ثقافة عامة تنتشر أفقيًا عبر المجتمع، حتى لو توقفت إداريًا.
ورغم النجاح الملحوظ الذي تحققه المبادرة، إلا أن القائمين عليها يواجهون صعوبات حقيقية، أشار إلى أن أبرزها شُح الموارد الأساسية مثل التربة والسماد والبذور، وصعوبة التنقل بسبب القصف والانقسام الجغرافي، بالإضافة إلى غياب التمويل، ونقص المعرفة الزراعية لدى بعض المشاركين، وشح المياه الصالحة للري في مناطق كثيرة.
روح جماعية
مع ذلك، شدد المناعمة على أن الإرادة الجماعية والتضامن الشعبي أثبتا قدرتهما على تجاوز التحديات، مشيرًا إلى أن هناك عشرات العائلات بدأت بالفعل بزراعة مساحات صغيرة في منازلها، وإنتاج أنواع بسيطة من الخضار، ما يشكل بذرة تغيير فعلي.
ونبه إلى أن المبادرة تحمل في طياتها بُعدًا مقاومًا يتجاوز الجانب الغذائي، إذ تأتي في ظل حرب تستهدف ليس فقط أرواح الفلسطينيين، بل أمنهم الغذائي ومعنوياتهم.
وقال المناعمة : "غذاؤنا من أيدينا ليست مجرد مشروع زراعي، بل فعل مقاومة شعبية، يؤكد أن الفلسطيني لا يستسلم للجوع ولا للخراب، بل يزرع من رماد الحرب حياة جديدة."
وأهاب بتبني شعار المبادرة، الذي أصبح يتردد على ألسنة كثيرين في غزة "ابدأ بما تملك، ازرع ما تستطيع، وشارك ما تنتج".