بعد أكثر من 600 يوم على اندلاع حرب الإبادة في قطاع غزة، يواصل اقتصاد دولة الاحتلال تراجعه الحاد، وسط مؤشرات متزايدة على أزمة شاملة تعصف بالمالية العامة، والدين العام، وثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن الحرب لم تعد أزمة عسكرية أو سياسية فحسب، بل تحوّلت إلى كارثة اقتصادية متفاقمة تهدد بنية الاقتصاد الإسرائيلي وتُضعف مكانته الإقليمية والدولية، حيث يقف على أعتاب ركود طويل الأمد، مع غياب أي حلول سياسية جادة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران أن الاقتصاد الإسرائيلي يمر بمرحلة اضطراب بنيوي، إذ تجاوز العجز المالي 30 مليار دولار منذ بدء الحرب، في واحدة من أسوأ أزماته خلال العقود الأخيرة.
وأوضح الدقران لصحيفة "فلسطين" أن تكاليف الحرب العسكرية وحدها تجاوزت 40 مليار دولار، وتشمل العمليات العسكرية، وتوسيع نطاق التجنيد، والتعويضات.
وأشار إلى أن الإنفاق العسكري استنزف نسبة كبيرة من الموازنة العامة، ما دفع حكومة الاحتلال إلى تقليص الإنفاق على قطاعات حيوية كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية، إضافة إلى تجميد العديد من المشاريع التنموية.
وأضاف أن التداعيات الاقتصادية لم تقتصر على الخسائر المباشرة، بل امتدت لتشمل توقف آلاف المصانع والمنشآت الاقتصادية عن العمل كليًا أو جزئيًا، ما أدى إلى تراجع كبير في الإيرادات الضريبية، وتفاقم اختلال التوازن المالي.
كما لفت إلى الآثار الاجتماعية المصاحبة للأزمة الاقتصادية، من بينها ارتفاع معدلات البطالة وتآكل الطبقة الوسطى، ما بدأ يثير احتقانًا شعبيًا قد يتطور إلى أزمات سياسية لاحقًا. وأشار أيضًا إلى تراجع الاستهلاك المحلي مقابل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
ونوّه إلى أن وكالات التصنيف الائتماني العالمية بدأت بإطلاق تحذيرات بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، إذ خفّضت وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية"، نتيجة تراجع النمو وغياب الرؤية السياسية والاقتصادية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. نائل موسى إن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش حالة إنهاك حقيقي، مشيرًا إلى أن الدعم الغربي والأمريكي لم يعد كافيًا لتعويض الخسائر الهائلة، التي تفوق بكثير ما شهده خلال الحروب السابقة.
وأوضح موسى أن ثقة المستثمرين شهدت تراجعًا حادًا، حيث غادرت شركات عالمية وناشئة، خاصة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، السوق الإسرائيلية، ونقلت مقارها إلى دول أخرى.
وأضاف أن بعض هذه الشركات كانت ضمن قائمة أفضل 100 شركة تقنية في العالم.
وبيّن أن نحو 46 ألف شركة أغلقت أبوابها حتى نهاية عام 2024، معظمها من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وسط تقديرات تشير إلى ارتفاع العدد إلى 60 ألفًا بحلول نهاية عام 2025، ما ينذر بزيادة معدلات البطالة واتساع رقعة الفقر.
وأشار إلى أن الحرب تسببت بأضرار جسيمة في قطاعات حيوية مثل السياحة، والتجارة، والطيران، حيث كانت السياحة تدرّ أكثر من 8 مليارات دولار سنويًا، لكنها باتت في حالة شلل شبه كامل، مع إغلاق عدد كبير من الفنادق، وتوقف عشرات شركات النقل ومكاتب السياحة.
وأوضح موسى أن الإنفاق الحكومي المفرط خلال فترة الحرب أدى إلى ارتفاع الدين العام بشكل مقلق، متوقعًا أن يتجاوز 71% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، وفقًا لبيانات وزارة المالية الإسرائيلية.
وختم موسى بالتأكيد على أن استمرار الحرب دون أفق للحل من شأنه أن يفاقم عزلة دولة الاحتلال اقتصاديًا، في ظل تنامي دعوات المقاطعة العالمية ضد الشركات الإسرائيلية أو المتورطة في دعم الحرب، لافتًا إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر شهد تراجعًا بنسبة 38% مقارنة بما قبل اندلاع الحرب.