عاد الشاب أحمد حسونة إلى منزله في حي الأمل بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، محمولًا على الأكتاف شهيدًا، بعد أن حاول الوصول إلى منطقة توزيع المساعدات التي تُشرف عليها شركة أمريكية في مدينة رفح، حيث تعرّض لإطلاق نار مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى استشهاده على الفور.
وفور وصوله إلى منطقة "العَلَم" الواقعة غرب مدينة رفح، فتح جنود الاحتلال نيران أسلحتهم بشكل كثيف ومباشر تجاه جموع المواطنين المحتشدين بحثًا عن المساعدات، ما أسفر عن ارتكاب مجزرة مروّعة راح ضحيتها العشرات ما بين شهيد وجريح، في مشهد دموي يعكس بشاعة الممارسات الإسرائيلية بحق المدنيين العزّل.
وفي روايته المروعة، تحدث أحمد حسونة، ابن عم الشهيد محمد حسونة، والذي كان برفقته خلال الواقعة، مؤكدًا أن قوات الاحتلال نفذت مجزرة دموية متعمّدة بحق المواطنين الجوعى الذين احتشدوا في منطقة تل السلطان غرب رفح، على أمل الحصول على بعض المساعدات الغذائية.
وقال حسونة لصحيفة فلسطين: "ما يُسمى بالمساعدات الأمريكية لم تكن سوى فخٍّ محكمٍ لاستدراج المدنيين وقتلهم بدمٍ بارد. ذهبنا من أجل الطعام، وعدنا بالجثث. ما حصل لم يكن مجرد إطلاق نار، بل كمين دموي استهدف أرواح الأبرياء".
وأضاف بحرقة: "ابن عمي محمد أُصيب بطلق ناري لحظة اقترابنا من موقع التوزيع، وكان برفقتنا العشرات من المواطنين الجوعى. حاولت إنقاذه أو حتى سحبه من المكان، لكن دون جدوى، إذ لم تكن هناك أي سيارة إسعاف أو حتى وسيلة نقل مدنية لإنقاذ المصابين".
كما تحدث الشاب أحمد حجازي، وهو أحد المواطنين الذين تواجدوا في مكان المجزرة، مؤكدًا أنه اضطر للذهاب إلى تلك المنطقة أملًا في الحصول على القليل من المساعدات لأسرته، لكنه فوجئ بإطلاق نار كثيف وعشوائي من جيش الاحتلال.
وقال حجازي لـ"فلسطين": "تجمّع مئات الآلاف من المواطنين، وفجأة بدأ جنود الاحتلال بإطلاق النار عليهم من كل الاتجاهات. الرصاص كان موجهًا بدقة نحو الرؤوس والصدور، بهدف القتل لا التفريق. لم يكن إطلاق نار تحذيريًا، بل كان قرارًا واضحًا بالقتل الجماعي".
وأضاف: "قطعنا مسافات طويلة سيرًا على الأقدام، كنا مرهقين ومنهكين من الجوع والعطش، وعندما اقتربنا من المكان فوجئنا بالدبابات من حولنا، وكأنها كانت تنتظر لحظة التجمع لتبدأ المجزرة".
وصف حجازي المشهد بأنه "كمين عسكري محكم ضد المدنيين"، مضيفًا: "كان واضحًا أن الهدف هو رفع عدد الشهداء لأقصى حد، فالرصاص استهدف الأجزاء العلوية من أجساد الناس، ولم يكن هناك أي اعتبار لإنسانية هؤلاء الفقراء الباحثين عن لقمة عيش".
في سياق متصل، أكّد المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، أن توزيع المساعدات في قطاع غزة أصبح بمثابة "مصيدة موت"، لا عملًا إنسانيًا كما يُروّج له.
وشدد لازاريني، في بيان رسمي، على ضرورة رفع الحصار المفروض على قطاع غزة فورًا، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها بشكل آمن ومنظم، وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وقال: "تلقينا تقارير من مسعفين دوليين متواجدين على الأرض، تفيد بسقوط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح نتيجة إطلاق النار على المواطنين الذين تجمعوا لتسلّم المساعدات. هذه المساعدات باتت تُستخدم كأداة للقتل بدلًا من أن تكون وسيلة لإنقاذ الحياة".
وأوضح أن نقطة التوزيع التي وضعتها الخطة الإسرائيلية الأمريكية كانت في أقصى جنوب مدينة رفح، في منطقة شبه مدمرة بسبب القصف، الأمر الذي أجبر آلاف المدنيين الجوعى والمحتاجين على قطع عشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام وسط ظروف إنسانية كارثية.
وأضاف المفوض العام للأونروا: "إن إيصال المساعدات الإنسانية في قطاع غزة لا يمكن أن يتم إلا من خلال قنوات الأمم المتحدة، بما في ذلك وكالة الأونروا، وهذا هو السبيل الوحيد لتفادي المجاعة الجماعية التي تهدد حياة أكثر من مليون طفل في القطاع المحاصر".