قائمة الموقع

​لقمة عيش الغزّي "ما عليهاش" كبير

2017-11-05T08:47:06+02:00

أمام عربتِه الصغيرة البرتقالية والمُزيّنة بالورود والأضواء وألعاب الأطفال، يقف الشاب منصور زويِّد (22 عامًا) يدور بعينيه يَمنة ويَسرة ليقتنص كل طفلٍ يأتي لساحة الجندي المجهول مع عائلته للتنزّه.. يدفع العربة على الفور مرسلًا ابتساماتٍ كثيرة للطفل الذي بدورِه يبدأ بالإلحاح على والديه كي يقبلا بركوبه تلك العربة التي تدغدغ طفولته بألوانها الزاهية، مقابل بضعة "شواقل"، هي بالحقيقة رزق يسير للشاب الغزيّ منصور وغيره من المنافسين في نفس السّاحة وسط مدينة غزّة.

منصور الذي عاد من دولة الإمارات العربية قبل خمسة أعوام برفقة والدته ليسكن في غزّة المحاصرة، عمل بياعًا للذّرة تارةً، وحلاقًا تارة أخرى، وطباخًا، وفي القِصارة والبناء أيضًا، فلقمة العيش كما يقول لـ"فلسطين": "ما عليهاش كبير".

ويضيف: "أعيش في بيت إيجار مع أمي وحيدين، فوالدي متوفّى منذ طفولتي، وإخوتي يعيشون في الإمارات، وعملي البسيط هو حيلتي كي أدفع إيجار البيت وأحصّل قوت يومنا".

"كي تعيش في غزّة حياة بلا ذلّ لا بد أن تحفر في الصّخر".. قالها منصور، ثم استأذن ليُركِب أحد الأطفال في تلك السيارة الصغيرة، لقد دار يدفعُها في ساحة الجندي دورتين متتاليتين وسط حرٍّ وإرهاقٍ شديدين.

وينطلق منصور لعمله هذا في الساعة العاشرة صباحًا ويبقى على تلك الحال حتى الساعة الواحدة فجرًا، يرسم البسمة على شفاه الأطفال مقابل بضعة "شواقل" شريفةٍ حلال.

لكن عمل هذا الشاب لا ينتهي بتوقف المتنزّهين عن القدوم لساحة الجندل المجهول، يوضح: "بعد أن تفرغ ساحة الجندي من المتنزّهين والأطفال أنتقل للعمل في البِناء حتى الفجر، فأُحصّل لقمة عيشٍ جديدة تسترني ووالدتي التي لا تنفكّ تدعو لي دومًا بالتوفيق وبالزواج ببنت الحلال".

ثم يبتسم منصور ويعلق: "حلم أمي بعيد المنال، فالزواج في غزّة ليس أمرًا هيّنًا، فنحن بالكاد نوفر لقمة العيش".

الشاب "أبو محمد أبو نصر" كان هو الآخر يبحث عن رزقه بين المتنزّهين في ساحة الجنديّ، تلك الساحة البسيطة التي تتميّز بحيويتها ومركزيتها وبوجودها وسط غزّة وسوق الرّمال، تحفها أشجار الظلّ وتتسمّر فيها بعض المقاعد، يرتادها الغني والفقير، ويكثر فيها الشباب وطلبة الجامعات، والباعة الجوّالون لا يغادرون المنطقة، وأكثر ما يتمركز فيها باعة المسليات والبذور والفستق السّاخن المُحمّص حالًا.

أبو نصر البالغ 35 عامًا من حيّ التفاح في غزّة، ولديه من الأطفال خمسة، يبيع التّرمس منذ أربعة أشهر، ويربح فيه ما يقارب 30 شيقلًا، أي ما يقارب ثمانية دولارات فقط، يقول: "سآكل الأرض كي أحصل على المال وأطعم أولادي من الرزق الحلال".

وكان أبو نصر يعمل خياطًا في مصانع غزة، لكن الحصار الذي أدى لإغلاق المصانع دفعه للبحث عن أي مهنة يجني منها قوت يومه وأولاده.

وينطلق أبو نصر لعمله الساعة العاشرة صباحًا تكون حينها قد جهّزت له زوجته الترمس ووضعته في أكياس صغيرة، ليبقى يدور في ساحة الجندي حتى العاشرة، يعود لبيته وقد نام أطفالُه، يقبلهم ثم ينام ويصحو مكررًا ما فعله بالأمس.

اخبار ذات صلة