كشفت الساعات الأولى من انطلاق مشروع توزيع المساعدات الأمريكية في قطاع غزة عن فشل واضح في آلية التنفيذ التي تبنّتها الولايات المتحدة بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ لم تستطع المؤسسة الأميركية المشبوهة التي تولّت المهمة السيطرة على حشود المواطنين الذين توافدوا بحثًا عن الغذاء وسط ظروف إنسانية كارثية.
تجاهلت هذه الآلية المؤسسات الدولية الفاعلة، وعلى رأسها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ما أدى إلى انهيار سريع في عملية التوزيع، وعجز كامل عن توفير الحد الأدنى من النظام أو الأمان، سواء للمواطنين أو للعاملين في الميدان.
ورصدت صحيفة "فلسطين" إطلاق قوات الاحتلال النار على مواطنين اقتربوا من نقاط التوزيع، واعتقال أحدهم، ما يعزز المخاوف من أن هذه الآلية تحوّلت إلى مصيدة لاعتقال الفلسطينيين والزجّ بهم في سجون الاحتلال.
"الأونروا" تُحذّر وتُصرّ
أكدت وكالة "الأونروا" ثبات موقفها في الدفاع عن حقوق واحتياجات المجتمع الفلسطيني، مشيرة إلى أنها ما تزال تواجه قيودًا صارمة تعيق عملها، لكنها تواصل جهودها رغم التحديات، ولن تتوقف عن أداء واجبها الإنساني.
وقالت الوكالة إن سلطات الاحتلال منعت مفوضية الأمم المتحدة من إدخال الدقيق والمواد الغذائية الأساسية إلى العائلات في غزة، مشيرة إلى أن آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات لا تزال تنتظر على المعابر، دون أي مؤشرات على السماح بدخولها.
وبيّنت أنها استجابت خلال الشهر الماضي لنداء الأمين العام للأمم المتحدة، ووزّعت الخبز وحصصًا غذائية محدودة عبر عدد قليل من المعابر، لكنها أقرت بأن هذه الجهود تمثّل الحد الأدنى الممكن، ولا تفي بحجم الاحتياج الفعلي.
وشددت "الأونروا" على أنها تدرك حجم المعاناة التي تعيشها العائلات، خاصة الأمهات، ومقدّمي الرعاية، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، والمصابين، والمرضى، مؤكدة أن المنظمات الأممية تواصل المطالبة باستئناف توزيع المساعدات من خلال الأنظمة الإنسانية التي خدمت المجتمع الفلسطيني ضمن أطر قانونية وإنسانية واضحة.
رفض شعبي وتخوّف أمني
في الميدان، عبّر العديد من المواطنين في قطاع غزة عن رفضهم استلام المساعدات التي تعتزم شركة أمريكية توزيعها في رفح ومحور نتساريم، بسبب مخاوف حقيقية من استهدافهم أو اعتقالهم خلال محاولاتهم الوصول إلى نقاط التوزيع.
وقال مواطنون لصحيفة "فلسطين" إن غياب المعلومات الرسمية عن كيفية توزيع المساعدات أو الطرق الآمنة للوصول إليها يثير مخاوف أمنية كبيرة، خاصة في ظل ما وصفوه بـ"الغموض المشبوه" الذي يحيط بالعملية، ما يضاعف من قلق السكان الذين يخشون أن يتحوّل السعي خلف لقمة العيش إلى فخ قاتل.
تشير تقارير إلى أن شركة أمريكية تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، إلى جانب شركتي "يو دجي سولوشنز" و"سيف ريتش سولوشنز"، ستتولى توزيع المساعدات بالتنسيق مع جيش الاحتلال، بهدف -بحسب المعلن- منع وصول المساعدات إلى السوق السوداء أو إلى "حماس". غير أن هذه الشركات تحيط بها شكوك كبيرة، تتعلق بعلاقاتها وتمويلها وأهدافها.
"فخ إنساني"
وصفت داليا الشيخ عيد نقاط توزيع المساعدات بأنها "معسكرات تعذيب وإذلال جماعي"، وفخ لاعتقال أو قتل الفلسطينيين تحت أعين الجيش الإسرائيلي.
أما أحمد الشوا، من حي الدرج، وأب لثمانية أبناء فقد عمله منذ بداية العدوان، فقال: "لن أستلم أي مساعدة وفق هذه الطريقة، حتى لو مت جوعًا. يجب أن نُفشل هذا المخطط الإسرائيلي الذي يستخدم المساعدات كوسيلة إذلال واعتقال".
عائشة عريف، من حي الشجاعية، عبّرت عن قلقها من اقتصار توزيع المساعدات على مناطق دون أخرى، وتحديدًا استثناء سكان غزة وشمال القطاع، ما اعتبرته محاولة لتعميق المجاعة في الشمال ودفع السكان إلى النزوح مجددًا.
وقالت: "لن أعرّض حياة زوجي للخطر من أجل كيس طحين. لن يذهب إلى نتساريم، رغم أنها أقرب نقطة توزيع، فالطريق محفوفة بالموت والاعتقال".
علاقات مشبوهة
كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن أن اختيار الشركة الأميركية تم بترتيب سري يرتبط بشخصيات مقرّبة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، من بينهم رجل الأعمال شلومي فوغل، إضافة إلى تورط مسؤولين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) مثل فيل رايلي.
ترى نيرمين الغزالي، من حي تل الهوى، أن الهدف الأساسي من الخطة هو التهجير القسري عبر دفع سكان الشمال للنزوح جنوبًا مقابل الحصول على المساعدات.
وأضافت: "بعد فشل الاحتلال في تهجير سكان الشمال خلال عام ونصف من الحرب، يحاول الآن جذبهم مجددًا إلى الجنوب تحت لافتة المساعدات، لتفريغ الشمال من سكانه بوسائل غير مباشرة".
من جانبها، رفضت الأمم المتحدة التعاون مع الشركات الأميركية المكلّفة بتوزيع المساعدات، مشيرة إلى أن الخطة تفتقر إلى النزاهة والحياد، وقد تُعرّض المدنيين للخطر أو تُستخدم كذريعة لتهجيرهم.
وأكدت الأمم المتحدة أن المشروع الأميركي لا يخدم إلا أجندات سياسية مشبوهة، وسط مخاوف حقيقية من أن تتحوّل المساعدات إلى سلاح جديد في حرب التجويع والسيطرة على المدنيين.

