فلسطين أون لاين

توزيع مساعدات أم جلسة تصوير؟

صور توزيع المساعدات الأميركيَّة تثير سخريةً الغزيين... من يقف وراء المشهد؟

...
صور توزيع المساعدات الأميركية تثير سخرية الغزيين.. من يقف وراء المشهد؟
غزة/ فلسطين أون لاين

ثارت صور نشرتها مؤسسة "غزة الأمريكية للإغاثة" موجة من السخرية والاستنكار في قطاع غزة، بعدما ظهرت مجموعة من الرجال يستلمون طروداً غذائية دون الكشف عن وجوههم، في مشهد وصفه كثيرون بـ"المفبرك"، وسط محاولات إسرائيلية للترويج لنجاح الآلية الجديدة لإدخال المساعدات عبر محوري نتساريم وموراج.

ظهر في هذه الصور عدد من الأشخاص الذين لا تعرف هوياتهم وهم يرتدون ملابس أنيقة، بعضها مرتبط بشركات عالمية، وهم يستلمون المساعدات من نقطة تل السلطان، غرب رفح، جنوبي القطاع، في إشارة لمحاولة الاحتلال والشركة الأميركية تزييف الواقع.

الصور، التي بدا واضحاً إخراجها المسرحي، لم تُقنع الشارع الغزي، بل فجّرت سيلًا من التعليقات الساخرة على منصات التواصل. أحد رواد المنصات كتب: "سمعنا بجلسة تصوير عرسان أو بيبي جندر.. بس استلام كرتونة طرد غذائي؟!"

وأضاف آخر مشيراً إلى أحد المستلمين: "في واحد لابس بوت تمبرلاند موديل 2025، سعره لا يقل عن 200 دولار.. شكله جاي من جلسة تصوير في نيويورك مش من طابور مساعدات بغزة!"

الصحفي يوسف فارس علّق على المشهد من قلب الشارع قائلاً: "لا أحد يمتلك أهلية ولا شرعية التنظير على الجياع، لكني وبمنتهى الموضوعية نزلت صباح يوم أمس إلى محيط مفترق الصاروخ نهاية شارع الجلاء، شمال القطاع، واستطلعت آراء عشوائية من النازحين حول مدى استعدادهم لاستلام المساعدات وفق الآلية الجديدة التي تجبرهم على التوجه إلى نتساريم أو موراج. كانت إجابة الجميع: «لن نستلم»."

وأضاف فارس أن الأسباب تنوعت بين: انعدام الثقة بنوايا الاحتلال، وكلفة المواصلات التي تفوق قيمة الطرد، والخوف من الاحتجاز أو تكرار تجربة النزوح، والإنهاك الجسدي وعدم القدرة على التنقل، ورفض وطني أخلاقي لمجاراة خطة الاحتلال

"خطة المساعدات الأمريكية الإسرائيلية وُلدت ميتة، فاقدة للشرعية الأخلاقية ولإمكانية التطبيق الواقعي، وأسقطها وطنياً تبرؤ العائلات والعشائر من أي شركة محلية شاركت فيها"، يضيف فارس، قبل أن يختم بسخرية مريرة:

"وليست الصور التي نشرها إعلام العدو من تل السلطان – والتي كان من المفترض أن يحتشد أمامها 300 ألف إنسان – سوى تتويج لموت قبل الميلاد".

وكتب الناشط بلال موسى عبر صفحته على "فيسبوك"، معلقاً على الصور التي بثتها وسائل إعلام إسرائيلية بالقول: "صور لمسرحية هزلية جديدة لتوزيع المساعدات نشرها الإعلام العبري قال تم التوزيع اليوم". تابع: "هل طلب من هؤلاء الأشخاص لبس أفضل وأجمل الملابس من أجل استلام الطرد الغذائي، إلى جانب السبب وراء تعمد إخفاء صور الأشخاص خلال عملية الاستلام وعدم وضوح ملامحهم".

بدوره، وصف الصحافي أحمد غانم، عبر "فيسبوك"، الصور بأنها "مسرحية"، مضيفاً: "حين تحاول إسرائيل أن تُخرج مشهداً من دون جمهور، تنشر إذاعة الجيش الإسرائيلي صوراً تقول إنها توثق نجاح توزيع المساعدات على سكان غزة من منطقة تل السلطان".

وتابع: "الصور، أكثر من أي شيء، تُفصح عن ارتباك الدولة العميقة، وعجز الرواية الإسرائيلية عن بناء مشهد مقنع حتى عندما تملك الكاميرا والإخراج والموقع، لنقرأ الصورة لا كما أرادت إسرائيل أن نراها، بل كما هي بالفعل: وجوه مخفية، هندام أنيق، أحذية ماركات عالمية، خط سير مرتب كصف مدرسي، وصناديق كرتون تُحمل فوق الرؤوس في مشهد لا يشبه واقع مجاعة أو نجاة أو نزوح".

وتساءل قائلاً: "من هؤلاء؟ ومن الذي سمح لهم بالخروج أصلاً؟ إن كانت إسرائيل قد أغلقت كل المعابر، وقصفت الطرق، وفجّرت السيارات، فمن أين جاء هؤلاء؟ وكيف عبروا المناطق المحاصرة؟ وأين الوجوه التي اعتادت أن تكون مرآة الغزيّ الحقيقي، الوجه النحيل المترب، المرتجف من الجوع والرعب؟ إنه عرض مسرحي، مكتمل العناصر، ناقص الصدق".

ورأى الناشط محمد سكيك عبر صفحته على "فيسبوك"، أن "العدو يتفنن في تعذيب الشعب الفلسطيني، فيفتح نقطة توزيع مساعدات في منطقة رفح المنكوبة المدمرة، جنوب قطاع غزة، ليجبر السكان على الذهاب إلى هناك لاستلام مساعدة".

أضاف: "المسافة بيني وبين هذه المنطقة 30 كيلومترا، وهناك من تبعد عنه أكثر من 40 كيلومترا، هل يأمن العدو من اعتقال أو استجواب الناس هناك؟ هذا إن لم يصل الأمر إلى القتل؟ هل يأمن العدو من حشر السكان في تلك المنطقة لاستلام المساعدات، ثم يقوم بإغلاق الطريق، فلا يستطيعون العودة إلى عائلاتهم؟!".

من يقف وراء المشهد؟

وأكدت مصادر أمنية أن من شاركوا في هذه الصور ليسوا مواطنين كما ادعى الاحتلال، بل أفراد من شركة الخزندار – التي لم تعلن رفضها حتى الآن للآلية الإسرائيلية – إلى جانب مجموعة من التابعين للعميل ياسر أبو شباب.

وقد صدرت بيانات براءة من عائلتي الخزندار وأبو شباب في وقت سابق، تؤكد رفضهم لمثل هذه الأدوار المشبوهة التي تسهم في تمرير أهداف الاحتلال.

تزييف مشهد إنساني لكسر الإرادة

ويجمع مراقبون، أن ما نشره الاحتلال لم يكن توثيقًا لحالة إنسانية، بل محاولة لفرض صورة ذهنية مزيّفة، هدفها كسر الحاجز النفسي، ودفع الجائعين والمحتاجين للانخراط في ما يسمى بـ”الممر الإنساني”، تحت وهم النجاة من الجوع، في حين أن الحقيقة المرة أن الاحتلال لا يوزع مساعدات، بل يساوم على الكرامة، ويستثمر الحاجة كأداة للضغط السياسي والاجتماعي. إنها “مساعدات مشروطة بالركوع”، و”كرتونة بثمن الوطن”.

وأضافوا، أن ما جرى في تلّ السلطان هو محاولة هروب للأمام من الفشل العسكري والسياسي والإعلامي. الاحتلال الذي عجز عن كسر إرادة غزة بالسلاح، يحاول الآن كسرها بالجوع، ومن خلال صور مزيّفة، يحاول إقناع العالم أن الشعب الفلسطيني بدأ يتجاوب مع مشاريعه، بينما الحقيقة أن هذه المسرحية بلا جمهور.

ويرفض الفلسطينيون على نحو واسع الآلية الجديدة التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتطبيقها في القطاع، والتي من شأنها حشر الفلسطينيين في أربعة تجمعات، ثلاثة منها في محيط منطقة موراج، جنوبي القطاع، ونقطة وحيدة في وسط القطاع. كما رفضت جميع مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات القطاع الخاص الآلية الجديدة لإيصال المساعدات للقطاع، باعتبارها مرتبطة بخطط عسكرية إسرائيلية تستهدف تهجير الفلسطينيين خارج غزة بعد تجميعهم.

وعلى الصعيد المحلي، رفضت عدة شركات من القطاع الخاص العمل بالآلية الجديدة وأصدرت بعضها بيانات تؤكد رفض العمل مع المؤسسة الأميركية وتدعو للعمل وفقاً لآليات الأمم المتحدة السابقة التي كانت تغطي مناطق القطاع.

وعززت الصور، التي نشرتها المؤسسة الأميركية في وقت مبكر من فجر الثلاثاء، قناعة الفلسطينيين بضرورة إحباط الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات، وعدم السماح لها بالنجاح بالرغم من وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية المتسارعة والقصف الجوي والمدفعي.

من جانبه، أكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أن صور المساعدات التي سرّبها الاحتلال من رفح مفبركة ومضللة حيث لم تدخل أي مساعدات إلى القطاع خلال الساعات الـ48 الماضية، كما شدّد في تصريح للتلفزيون العربي على أن الاحتلال يواصل ممارسة التضليل وترويج الأكاذيب بشأن إدخال المساعدات.