انطلقت في العاصمة البوسنية سراييفو، يوم الاثنين، الجلسات الأولى لمبادرة "محكمة غزة"، التي تهدف إلى التحقيق في الجرائم التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى رأسها الإبادة الجماعية والفصل العنصري والتهجير القسري.
وشهدت الجلسات الأولى حضورًا لافتًا لعدد كبير من الأكاديميين والمثقفين ومدافعين عن حقوق الإنسان، إلى جانب مندوبي وسائل إعلام دولية وممثلين عن منظمات مجتمع مدني.
وتُعقد هذه المبادرة بدافع إنساني وأخلاقي، بقيادة ريتشارد فالك، المقرر الأممي الخاص السابق المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
وفي مداخلة عبر الاتصال المرئي، أكد فالك أن "الإبادة الجماعية باتت واضحة بفضل شهادات الضحايا"، مضيفًا أن "إسرائيل لا تخفي نواياها، بل تعلنها صراحة، سواء من خلال التصريحات الرسمية أو عبر حرمان الفلسطينيين من الغذاء والدواء".
وقال: "القادة الإسرائيليون يبررون إبادة الفلسطينيين في غزة بروايات دينية توراتية، وهو ما يشير إلى البعد الإيديولوجي الخطير في هذه الحرب".
من جانبه، أوضح أحمد كور أوغلو، منسق مشروع "محكمة غزة"، أن هذه المبادرة تأتي ردًا على جرائم حرب مستمرة منذ أشهر، معتبرًا أن للمثقفين دورًا أساسيًا في معالجة ما يجري في غزة.
وقال كور أوغلو: "نأمل أن تتمكن المحاكم والمنظمات القانونية الدولية من التدخل لوضع حد للكارثة الإنسانية في غزة"، مشيرًا إلى أن الجلسات ستتواصل في سراييفو، على أن تُعقد الجلسة الختامية في مدينة إسطنبول خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وأشار إلى أن فريق المحكمة يعمل على جمع شهادات وإفادات من الضحايا، تمهيدًا لتحليلها وتوثيقها ضمن ملفات قانونية ستُعرض لاحقًا أمام هيئات مختصة.
هالبر: "الإبادة في غزة هي ذروة المشروع الصهيوني"
وفي شهادة قوية، قال جيف هالبر، رئيس "اللجنة المناهضة لهدم المنازل" والمقيم في القدس، إن "ما نشهده اليوم هو المرحلة الأخيرة من مشروع استعماري استيطاني يسعى لإقصاء الفلسطينيين بالكامل عن وطنهم".
وأكد هالبر أن محكمة غزة لا تكتفي بتوثيق الجرائم، بل تهدف إلى "وضع هذه الجرائم ضمن سياقها السياسي"، مشددًا على أن الإبادة الجارية ليست حدثًا عابرًا، بل جزء من مخطط طويل لتحويل فلسطين التاريخية إلى دولة يهودية بحتة.
من المنتظر أن تُعقد الجلسة الختامية للمحكمة في إسطنبول خلال أكتوبر المقبل، حيث سيستمع فريق المحكمة – الذي يضم شخصيات قانونية وثقافية من أنحاء العالم – إلى شهادات مباشرة من الضحايا والشهود، على أن يتم الإعلان في ختامها عن مسودة قرار نهائي، تتضمن توصيات قانونية وتفويضات للمضي في الإجراءات أمام المحافل الدولية.
تُعد "محكمة غزة" مبادرة مستقلة أطلقتها منظمات مجتمع مدني محلية ودولية، وتهدف إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يعاني منها الفلسطينيون في غزة، في ظل عجز النظام القضائي الدولي عن محاسبة الجناة.
وستُحاكم إسرائيل غيابيًا بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في خطوة رمزية تأمل الجهات المنظمة أن تكون مقدّمة لتحرك قانوني أوسع وأكثر تأثيرًا على المستوى الدولي.