تطرح عدة تساؤلات لكيفية الانتقال من الشواهد العينية إلى الشواهد المادية في قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي نفق المقاومة، الأسبوع الماضي، بأسلحة سامة، أسفرت عن استشهاد 12 مقاومًا وإصابة آخرين.
ومنذ الساعات الأولى التي أعقبت قصف طائرات الاحتلال لنفق المقاومة شرق قطاع غزة، قالت وزارة الصحة إن شهداء ومصابي النفق تعرضوا إلى كمية كبيرة من الغازات السامة والبارود.
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة "فلسطين"، أكد مدير مستشفى شهداء الأقصى، كمال خطاب، أن المعاينة الأولية لجثامين شهداء النفق أظهرت وجود علامات إصابة وجروح "غير تقليدية"، تشير إلى أن صواريخ الاحتلال التي قصفت "منطقة النفق" احتوت على مواد سامة.
وذكر خطاب أن جميع الشهداء ظهرت عليهم علامات انتفاخ في المنطقة العلوية من الجسد، ودخل المصابون بحالات إغماء وتقيؤ، فيما يصاب المسعفون بالاختناق على بعد قرابة 50 مترًا من المنطقة المستهدفة رغم ارتدائهم أجهزة السلامة والأقنعة الواقية.
محاولات للتضليل
وأكد وكيل وزارة العدل بغزة، محمد النحال، أن الاحتلال يحاول خداع الرأي العام من خلال حديثه عن استخدامه أنظمة تكنولوجية متطورة في قصف النفق، إلا أن ذلك يبقى مجرد مزاعم ومحاولات للتضليل ما لم يكشف عن نوعية السلاح المستخدم وتأثيراته على الإنسان والتربة.
وأوضح النحال لصحيفة "فلسطين": "حجم الجريمة التي وقعت وتداعياتها على جثامين الشهداء والمصابين ورجال الإنقاذ لاحقا، تستلزم على المنظمات الدولية وتحديدا مكتب المدعي العام للأمم المتحدة التحرك للبحث في خفايا السلاح كخطوة أولى قبل الانتقال إلى مرحلة المحاسبة وفقًا للمعاهدات التي وقع عليها الاحتلال".
وشدد النحال على ضرورة احتفاظ وزارة الصحة بعينات من دماء جثامين الشهداء والتربة المحيطة بالمنطقة المستهدفة، بما يضمن الاحتفاظ بشواهد الجريمة، في ظل محاولة الاحتلال إخفاء الأدلة والتضليل من خلال رفضه لدخول لجان مختصة في عمليات الفحص والتحقق من تجاوز المواثيق مثلما حدث خلال السنوات الماضية.
وخلال عمليات الإنقاذ والبحث عن جثامين المفقودين الخمسة، والتي توقفت، أمس الأول، نقلت طواقم الدفاع المدني عددًا من عناصرها إلى مستشفى شهداء الأقصى بعدما أصيبوا بالاختناق والإغماء من الغازات المنبعثة من النفق المقصوف.
ميثاق روما
من جهته، أوضح مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني، أن كل الاحتمالات حول نوعية السلاح المستخدم في عملية القصف الأخيرة يتوجب أن تبقى قائمة وقيد التحقيق حتى يتم الكشف عن ماهية القنابل الإسرائيلية المستخدمة من قبل الجهات ذات الاختصاص وتحديدًا بعدما أكد الأطباء الفلسطينيين عدم معرفتهم بنوع الغاز المستخدم.
وقال الصوراني لصحيفة "فلسطين": "لدى (إسرائيل) سوابق مرتبطة باستخدامها لأسلحة محرمة دوليًا غير تقليدية في قصف القطاع خلال السنوات العشر الماضية كالفسفور الأبيض"، مبينًا أن هناك مواثيق دولية محددة تمنع استخدام الكيمائية والتي من ضمنها الغازات السامة خلال النزاعات المسلحة ضد المدنيين.
وأضاف الصوراني: "لا يتوجب الاكتفاء بالملاحظات الأولية التي ظهرت على جثامين الشهداء والمصابين، إنما يتوجب إجراء عمليات فحص حقيقية، قبل الشروع بعملية المحاسبة الدولية والقانونية لدولة الاحتلال، لانتهاكها الصارخ لمعاهدات حقوق الإنسان".
وشدد على ضرورة أن يأخذ النائب العام الفلسطيني لدوره الجاد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية في مثل هذه الحالات خاصة بعد توقيع السلطة على ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية.
وسبق أن اتهمت مؤسسات حقوقية محلية ودولية قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، باستخدام القوة المفرطة والأسلحة المحظورة مثل الفسفور الأبيض والغازات السامة والأسلحة المحرمة دوليًا، واعتبرته "جريمة حرب" ضد المدنيين الفلسطينيين ومخالفًا للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية.
لجنة أممية
وفي السياق، استنكرت نقابة المحامين الشرعيين الفلسطينيين، قصف الاحتلال نفق المقاومة ومحاصرة من بداخله ومنع تقديم العلاج اللازم للجرحى، داعية إلى تشكيل لجنة أممية للتحقيق في ملابسات الجريمة.
وطالبت اللجنة، في بيان، بضرورة تشكيل لجنة تحقيق أممية للوقوف على نوع الغاز السام المحرم دولياً المستخدم في قصف النفق.
وقالت النقابة: "إن دولة الاحتلال تجاوزت كل القوانين الدولية والإنسانية واتفاقيات جنيف المتعلقة بالنزاعات المسلحة وبالجرحى وأسرى الحرب, بإمعانها المتواصل في منع تقديم العلاج للمقاتلين داخل النفق".
وشددت على ضرورة قيام المؤسسات العربية والإقليمية والدولية بفضح ممارسات الاحتلال والتي تنافي أبسط قواعد حقوق الإنسان، ودعت اتحاد المحامين العرب وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، للتحرك بشكل جاد للجم انتهاكات الاحتلال المستمرة بحق شعبنا الفلسطيني.
كما دعت مجلس الأمن الدولي والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للقيام بدورهم إزاء هذه الجريمة المتجردة من الإنسانية. وناشدت الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف، القيام بدورهم ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين.