قائمة الموقع

الموت جوعًا.. الوجه الآخر لحرب الاحتلال على غزة

2025-05-24T19:15:00+03:00
فلسطين أون لاين

من شمال غزة إلى جنوبها، تقطعت السبل بأكثر من مليوني إنسان فرّوا من الموت قصفًا ليجدوه جوعًا، بعدما أخضع الاحتلال الإسرائيلي سكان القطاع بين فكي حصار مُطبق تجسّد بإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية، في مشهد يعكس إجرام هذا الاحتلال.

ومنذ الثاني من مارس/آذار الماضي، يُغلق الاحتلال المعابر ويحرم سكان القطاع من أبسط مقومات الحياة، ليصبح الجوع واقعًا مريرًا ينهش أجساد الأطفال والشيوخ والنساء في مختلف محافظات قطاع غزة، لا سيّما في مخيمات النزوح التي فرّ سكانها من الموت بعد إصدار الاحتلال أوامر إخلاء قسري، تمهيدًا لتنفيذ العملية العسكرية التي أعلن عنها يوم الجمعة.

وبات الحصول على رغيف الخبز "أمرًا شبه مستحيل" في أعقاب إصرار الاحتلال على استخدام سلاح التجويع ضد سكان القطاع، الذين يتضوّرون جوعًا بسبب عدم توفر الأطعمة المناسبة والمعلبة، ما أدى إلى تفشي أمراض سوء التغذية بين جميع فئات المجتمع، خصوصًا الأطفال وكبار السن.

ومنذ مطلع الأسبوع الجاري، تشهد مناطق متفرقة من القطاع، خصوصًا محافظتي الشمال وخان يونس، موجة نزوح قسري بين المواطنين بحثًا عن مناطق آمنة، ويترافق هذا النزوح مع تفاقم المجاعة التي تضرب أطنابها في كل أنحاء القطاع.

تجلس المسنّة "أم السعيد" (73 عامًا) أمام خيمة نصبتها في ساحة إحدى مدارس النازحين في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، وتجاعيد وجهها تحكي معاني القهر والألم بعد رحلة نزوح قاسية من معسكر جباليا شمالي القطاع.

تقول أم السعيد لصحيفة "فلسطين": "نزحتُ أربع مرات منذ بداية الحرب، لكن هذا النزوح كان الأصعب بسبب المجاعة التي نعيشها، حيث لا تتوفر لدينا أدنى مقومات الحياة من طعام وماء وغيرهما".

ترمي "أم السعيد" نظراتها نحو حفيدها الذي لا يتجاوز عمره ثلاثة أعوام، وتضيف: "حفيدي يطلب رغيف خبز ويبكي طوال اليوم من الجوع، وأنا عاجزة عن توفير هذا الرغيف له، نعتمد على بعض الأرز من التكايا التي تُقام في المدرسة".

وتحكي بصوت يملؤه القهر: "عايشت عدة حروب طيلة حياتي، لكن لم تمر عليّ حرب بهذه القسوة، فقد تدمر بيتنا، ونزحنا عدة مرات، ونعاني حاليًا من الجوع بسبب عدم توفر أي من مقومات الحياة".

كريم حمدان نزح قبل عدة أيام من منطقة تل الزعتر شمالي قطاع غزة، بعد اشتداد وتيرة القصف والاستهداف الذي طال منطقته، ما أجبره على ترك الخيمة التي كان يقطنها والتوجه إلى غرب مدينة غزة، أملًا في إيجاد مكان آمن يحتمي به مع عائلته، حسبما يقول.

يروي حمدان لـ"فلسطين": "عشنا أيامًا صعبة، لذلك قررت النزوح مع عائلتي، لكن الرحلة كانت شاقة جدًا، خصوصًا أننا نعيش مرحلة مجاعة قاسية انعكست على كل تفاصيل حياتنا، والآن نصبتُ خيمتي في منطقة النصر".

ويستغيث حمدان بكل الضمائر الحية في العالم العربي والإسلامي: "أوقفوا الحرب على غزة، أصبحنا نواجه الموت من القصف والجوع، أنقذوا السكان الذين يتضورون من شدة الجوع بسبب عدم توفر أدنى مقومات الحياة".

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، فإن ما دخل قطاع غزة حتى الآن هو 87 شاحنة مساعدات متنوعة، تم تخصيصها لصالح عدد من المؤسسات الدولية والأهلية، ضمن جهود توزيعها على أبناء شعبنا الفلسطيني لتلبية جزء من احتياجاتهم الإنسانية الملحّة، لكن هذه الكمية لم تكفِ لسد الحد الأدنى من حالة الجوع التي يعيشها السكان.

وتؤكد الأمم المتحدة أن قطاع غزة بحاجة إلى 500 شاحنة على الأقل من المساعدات والسلع التجارية يوميًا.

إبادة جماعية

من جهته، أكد عضو منظمة العدالة الواحدة لحقوق الإنسان الدولية، موسى العبداللات، أن استخدام الاحتلال سياسة التجويع الممنهجة ضد المدنيين العزّل يندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية.

وأوضح العبداللات لـ"فلسطين"، أن قوات الاحتلال تستهدف المواطنين بشكل متعمد في مختلف أماكن تواجدهم، لا سيما في مخيمات النزوح، ضمن سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية.

وأفاد بأن المنظمات الحقوقية وثّقت وفاة عشرات الآلاف من كبار السن أثناء نومهم نتيجة ظروف الحصار والجوع.

واستند العبداللات إلى المادة (8) من نظام روما الأساسي، التي تعتبر التجويع المتعمد للمدنيين جريمة حرب، مشددًا على أن الاحتلال يستخدم هذه الأداة لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام أو الرحيل أو الموت.

وبيّن أن الاحتلال يسعى من خلال هذه السياسة إلى تهجير الفلسطينيين قسرًا وفق المخطط الأمريكي-الإسرائيلي، في ظل تقاعس عربي رسمي وفشل واضح في مخرجات القمم العربية، بما في ذلك قمة بغداد الأخيرة.

وذكر أن تصريحات مسؤولي الاحتلال، وعلى رأسهم رئيس حكومة الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، تدعو صراحة إلى تدمير غزة، وهو ما يشكل تحريضًا على الإبادة الجماعية ويستوجب المحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية، داعيًا الدول الموقعة على نظام روما إلى احترام التزاماتها وتسليم مجرمي الحرب.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، أدت سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال على سكان القطاع إلى وفاة 326 حالة بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء والدواء، وأكثر من 300 حالة إجهاض بين الحوامل خلال 80 يومًا.

اخبار ذات صلة