في قطاع غزة المُحاصر، بات الحصول على رغيف الخبز أشبه بأمنية صعبة المنال، فالطحين قد نفد لدى غالبية العائلات الفلسطينية، ولا سّيما التي تعيش داخل مراكز الإيواء وخيام النزوح، نتيجة الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ عدة أشهر، فانعدمت الحياة وأصبحت بلا أدنى مقومات.
كان السكان يعتمدون على ما تبقى لديهم من مساعدات إنسانية حصلوا عليها قبل إغلاق المعابر منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي لكن جميعها نفد، وأصبحت الأسواق شبه فارغة من السلع الغذائية والخضروات، والمتوفر منها ارتفعت أسعاره بشكل جنوني تفوق القدرات الشرائية للعائلات الفلسطينية.
حتى تكيّات الطعام الخيرية التي كانت تُشكّل شريان النجاة للعائلات التي صابها الفقر والعوز أوصدت أبوابها، نتيجة نفاد السلع الغذائية وعدم توفر أصناف مختلفة يستطيع القائمون عليها إعدادها، فصارت "المعكرونة والعدس" أُمنيّة لدى هذه العائلات، الأمر الذي يُفاقم أزمة الجوع التي تضرب أطنابها كل محافظات القطاع.
ومنذ الثاني من مارس/ آذار الماضي يُطبق الاحتلال حصاره على قطاع غزة، عبر إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الاغاثية للمواطنين، بما فيها اللحوم والخضروات والفواكه، فيما أوصدت مخابز القطاع أبوابها أمام المواطنين بسبب نفاد كميات الدقيق والسولار المتوفر لها.
يجلس أبو عدي مصلح أمام أحد الفصول الدراسية في مدرسة لإيواء النازحين وعيونه ترقب قدوم أي تكيّة طعام إلى المدرسة أو في محيطها، أملاً في الحصول على لقمة طعام يسد بها رمق عائلته المكونة من ثلاثة أفراد، لكن سرعان ما تلاشى ذلك الأمل بعد أن أمضى أكثر من ثلاث ساعات "بلا فائدة".
"ما في تكية، ما في خبز، وما عندي شغل، ولا بعض البقوليات التي كانت بحوزتي من معكرونة أو عدس نفدت"، يقول مصلح لمراسل "فلسطين أون لاين"، وهو يمسح دموعه التي حاول أن يخفيها".
ويضيف "بالكاد نستطيع توفير وجبة واحدة للعائلة في اليوم، وتمر بعض الأيام دون أكل، وهذه معاناة كبيرة جدا، وخصوصاً أن جميع من حولي يعيشون تلك المعاناة، لذلك اضطر في بعض الأحيان إلى جمع بعض أوراق الخبيزة من أي أرضٍ قريبة من أجل اطعام أولادي".
ويتابع "تتضاعف المعاناة أكثر في ظل عدم توفر التكيّات التي كانت تخفف عنا بعض الأزمة، وحينما تتوفر في أوقات قليلة نصطف في طابورٍ طويل وبالكاد أحصل ما يكفي لأقل من وجبة خلال اليوم".
كذلك الحال لدى المُسن أحمد صالح الذي لم يعد بحوزته ما يكفيه لوجبة واحدة يسد به رمق عائلته المكونة من سبعة أفراد، فيقول: "لا يوجد عندي أي سلع غذائية وحينما أتوجه إلى السوق لا أستطيع شراء القليل المتوفر، حيث يصل سعر كيلو البندورة لأكثر من 30 شيكلاً، والبطاطا 40 شيكلاً".
وتتضاعف معاناة صالح أكثر، كونه عاطل عن العمل ولا يقدر على العمل، يضيف بصوت يملأه القهر "قبل الحرب كنت بالكاد أوفر الأكل اليومي لعائلتي، والآن لا أستطيع بالمطلق توفيره، كوني لا أقدر على العمل حالياً".
ويتساءل صالح والغصّة تجتاح قبله: "إلى متى سيبقى حالنا هكذا والمعابر مغلقة؟ ألا يكفي معاناة طيلة الحرب؟ أين الشعوب العربية والإسلامية كي تنظر إلى ما وصل له حالنا؟".
كذلك الحال لدى المواطنة أم أمير دحلان التي تقطن في خيمة بمخيم جباليا شمالي القطاع، حيث بالكاد تستطيع توفير وجبة طعام واحدة يومياً، بعد نفاد الطحين والأطعمة المعلبة لديها.
وتقول دحلان لـ "فلسطين أون لاين": "لا أستطيع شراء الطحين الذي ارتفع سعره بشكل جنوني حيث وصل سعر الكيلو لأكثر من 50 شيكلاً، حيث أن زوجي مُعطل عن العمل منذ بداية الحرب وحتى الآن، ولدي أطفال بحاجة ماسة إلى تناول الطعام".
وتواصل حديثها بنبرة القهر "اضطررت لشراء المعكرونة وطحنها لتحويلها إلى دقيق في سبيل الحصول على لقمة اسد بها رمق أطفالي، حيث اقتصر عدد الوجبات على واحدة يومياً وأحيانا لا تتوفر".
وتطالب كل الضمائر الحية في العالمين العربي والإسلامي بضرورة التدخل لإنقاذ قطاع غزة من المجاعة التي تتفشى كل يوم أكثر، حيث ان استمرارها ينذر بسقوط المزيد من الضحايا خصوصاً الأطفال.
وأمام انسداد كل الأبواب، يلجأ السكان إلى وجبات بدائية، مثل العدس أو الخبيزة البرية التي يتم جمعها من أطراف الطرقات. هذه الأطعمة، رغم بدائيتها، باتت نادرة هي الأخرى، مع انتشار المجاعة بشكل تدريجي في مناطق متعددة من القطاع، خاصة في الشمال.
وبحسب تقديرات محلية، فإن أكثر من 80% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع تسجيل حالات سوء تغذية واضحة لدى الأطفال، وفقر دم حاد لدى النساء، وانتشار أمراض مرتبطة بسوء التغذية، مثل الجرب والتهابات الأمعاء.
وارتفعت أعداد الوفيات بسبب سياسة التجويع إلى 57 شهيداً والعدد مرشح للزيادة في ظل إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات وحليب الأطفال والمكملات الغذائية بحسب المكتب الإعلامي الحكومي.