فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

...
madhoanhhgg__600 (1).jpg
د. محمد المدهون

أيام محرقة غزة ولياليها قاسية ومرعبة ومزلزلة، نعم، إنها عسرة وابتلاء وتمحيص من الله تعالى، وبشرى، كما قال سبحانه: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة 117). وهي سنة الله تعالى الماضية: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران 142).

فالمحرقة كاشفة بكل معنى الكلمة: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (الأنفال 37)، تمحيص لكل أهل غزة وفصائل مقاومتها، أفرادًا وجماعات. والثبات من الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (إبراهيم 27). ويتحقق الاحتدام مع المحتل الظالم وعصابات الإبادة من نقطة صفر، كما قال تعالى: {وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} (محمد 4)، وفقًا لسنة الله تعالى في التدافع: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} (البقرة 251). والنتيجة: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (آل عمران 179).

ومع توالي الأيام والليالي القاسية، كان رصيد التمحيص للمستضعفين يتكشف مع الأيام، ويتحقق وعد الله تعالى بالتثبيت بصبر أسطوري وسكينة وطمأنينة في قلوب المؤمنين: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} (الفتح 4). وفي المقابل، تآكلت صورة وقدرات عصابات الإبادة لتتحقق سنة من سنن الله تعالى المترابطة والمتراكمة: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران 141). فما أصاب عصابات الإبادة من محق وتآكل وخسارة لم يصبها في عمرها الممتد لـ 76 سنة خلت منذ النكبة: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنفُسِهِمْ} (آل عمران 178).

إنهاء سنة الله الماضية في طريقة العمل في صراع الحق والباطل، بالاجتهاد وفق الطاقة البشرية، وإعداد دون غفلة، وبذل الوسع، وعمل علمي دون ارتكان للخوارق والمعجزات، فالحق لا ينتصر لأنه فقط الحق، وإنما بالمغالبة والمدافعة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} (البقرة 251). وأولها غلبة النفس وتجرد كامل لله تعالى، والمغالبة للجمهور الداخلي ثانيًا، وبذل الوسع بشكل علمي، والالتزام بالمنهج، وإخلاص النية، وتمام الثقة بالله وحسن التوكل عليه.

وسيُصاحب ذلك وفقًا لوقائع المحرقة في غزة وما سبقها وما سيتلوها من تجربة وابتلاء وتمحيص، الثبات على حقيقة الغاية وتمام القصد، وبذل الطاقة، ومستوى التماسك والثبات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} (الأنفال 45). ويتحقق بذلك الاختبار: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران 166). وبكل ذلك تتحقق سنة الله الماضية: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (آل عمران 141).

المصدر / فلسطين أون لاين