لم تعد قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي تخص الفلسطينيين وحدهم، بل تخطت ذلك إلى الاهتمام والاحتضان والتضامن الدولي معهم، وقد عدت 12 دولة أمس الثلاثاء يومًا تضامنيًّا مع الأسرى الفلسطينيين، الذي تزامن مع يوم الأسير السياسي العالمي وحقوق الإنسان، لما تمثل هذه القضية من انتهاك سافر من قبل ما يسمى مصلحة السجون لحقوق آلاف الأسرى يوميًّا, إذ تشير المعلومات والتقارير المستفيضة إلى أن سياسات الاحتلال بحق آلاف المواطنين تمثل نقضًا فاضحًا للقيم الإنسانية وخرقًا جسيمًا للمبادئ الأخلاقية البسيطة، وخروجًا سافرًا على الشرائع والمواثيق الدولية المعمول بها في الدول التي تحترم الإنسان وإنسانيته, على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأيضًا اتفاقية جنيف الرابعة، إلى جانب ضرب عرض الحائط بالاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بمناهضة التعذيب والممارسات الخاصة بالكرامة الإنسانية.
لا يكاد يوجد بيت في فلسطين لم يجرب أحد أفراده الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فقد اعتقل جيش الاحتلال منذ احتل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م ربع الشعب الفلسطيني تقريبًا، أي أكثر من مليون فلسطيني دخلوا سجون الاحتلال، من الرجال والنساء والشباب والأطفال، دخلوا وخرجوا أو قضوا نحبهم داخل السجون، وظل الآلاف من الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تتفاوت محكومياتهم من أشهر قليلة إلى آلاف من السنين والمؤبدات، وقد استشهد عدد كبير من الأسرى ما يفوق المئتين منهم خلال سنوات الصراع مع الاحتلال، وحياة الكثير منهم عرضة للخطر، جراء ما يعانونه من أمراض مزمنة، في ظل حالة من عدم الاكتراث بوضعهم وحالتهم الصحية.
ومازال بعض الأسرى يخوضون معركة الأمعاء الخاوية لنيل حريتهم وكرامتهم، وعلى رأسهم الأسيران أنس شديد (19 عامًا)، وأحمد أبو فارة (29 عامًا)، اللذان اعتقلا بتاريخ 2/8/2016م، وقد أعلنا إضرابهما المفتوح عن الطعام في الخامس عشر من أيلول الماضي، احتجاجًا على اعتقالهما الإداري التعسفي دون توجيه لهما أية تهمة تذكر، وقررا مواصلة إضرابهما المفتوح عن الطعام والماء المستمر منذ (78) يومًا على التوالي.
ما من شك أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل الأوضاع الساخنة في الدول العربية وانشغال العالم بهذه الثورات، ليمارس القمع بحق أسرانا البواسل، فمنذ أن وطئت أقدام الاحتلال أرض فلسطين في محاولة منه للسيطرة على شعبنا وإخضاعه بشتى السبل غير المشروعة افتتح السجون، التي لا تتوافق مع أبسط قواعد حقوق الإنسان، ومنها السري ومنها المعلن، ليزج بمئات الآلاف من رجال ونساء وشباب وأطفال فلسطين في ظروف اعتقالية أقل ما يقال عنها إنها عنصرية تسعى إلى طمس شخصية الأسير، وإخضاعه لشتى ألوان العذاب منذ أن يقع بيد جنود الاحتلال وضباط مخابراته، مثل: التعذيب الجسدي الذي لا يخرج منه إلا بمرض مزمن، أو عاهة دائمة، فضلًا عن أصناف العذاب النفسي الذي يترك آثاره السيئة على الأسير فيما بقي له من الحياة.
قضية الأسرى تمثل قضية ملحة للشعب الفلسطيني خاصة وللشعوب التي تتوق إلى تحرير الإنسان من هيمنة ظلم الاحتلال بوجه عام، والجميع يرى أن الحل الوحيد لهذه القضية هو زوال الاحتلال، الذي سينتج عنه تلقائيًّا الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسرى.
فإذا كانت دول وشعوب العالم تتضامن اليوم وتدعم صمود أسرانا البواسل في سجون الاحتلال؛ فمن المعيب لنا تناولنا قضية الأسرى كردات فعل على بعض الانتهاكات التي تصل إلى وسائل إعلامنا، أو هبات موسمية كيوم الأسير الفلسطيني وغيره، إنما تتطلب من جميع الفعاليات والفصائل وأبناء شعبنا في الداخل والخارج تشكيل هيئات ولجان ومنظمات تسعى إلى تفعيل قضية الأسرى، وجعلها القضية الحاضرة أمام جميع المنظمات والمؤسسات العالمية، وحملها مع أي مسئول فلسطيني يغادر أو يستقبل أي وفود أو مسئولين أو شخصيات عربية أو أجنبية، في محاولة لجعلها قضية رأي عام عالمي، لنستطيع أن نخفف العذاب عن أسرانا داخل سجونهم، ونسعى بشتى السبل إلى تبييض السجون حتى آخر أسير يعاني.