بينما يحتفل العالم في الأول من مايو بـ"يوم العمال العالمي"، يجد عمال قطاع غزة أنفسهم غارقين في معاناة معقدة تعلقت بالحرب الإسرائيلية المستمرة، التي عطّلت عجلة الإنتاج، ودمرت البنية التحتية الاقتصادية، وحرمت عشرات الآلاف مصدر رزقهم، فباتت البطالة والفقر وانعدام الأمان الوظيفي العناوين الأبرز ليوم العمال في غزة.
تشير أحدث التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية إلى أن معدل البطالة في قطاع غزة بلغ 79.1%، وهو من أعلى المعدلات عالميًا، نتيجة التدمير الواسع الذي طال المنشآت الإنتاجية والصناعية. كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي للقطاع بنسبة 83.5%، ما أدى إلى توقف شبه تام في عجلة الاقتصاد.
لم يكن العامل جلال أبو عيادة يتخيل أن ينتهي به المطاف بائعًا متجولًا في الأسواق الشعبية، بعد أن أمضى 15 عامًا من العمل في مصنع لإنتاج الكنب والكراسي الخشبية شرق مدينة غزة.
ويقول أبو عيادة لـ"فلسطين أون لاين"، وهو أب لخمسة أطفال، إن المصنع الذي كان يعمل فيه دُمّر بالكامل خلال الحرب الأخيرة، وأُحرقت محتوياته، ليفقد بذلك مصدر رزقه الوحيد.
وأضاف بأسى: "كان المصنع مصدر دخلي الثابت، ومنه أعيل أسرتي منذ أكثر من عقد ونصف، لكن الحرب لم تُبقِ لنا شيئًا".
وأشار إلى أنه حاول البحث عن فرصة عمل بديلة، إلا أن الحرب أغلقت الأبواب، ولم يعد أمامه سوى العمل في السوق، حيث يبيع من "بسطة صغيرة" لتأمين لقمة العيش.
لم يمضِ عام واحد على حصول خالد النوري على تصريح عمل داخل الأراضي المحتلة بعد انتظار طويل وإجراءات أمنية معقدة، حتى اندلعت الحرب الأخيرة، لتقلب حياته رأسًا على عقب.
ويقول النوري لـ"فلسطين أون لاين"، وهو أحد العمال الفلسطينيين الذين تمكّنوا مؤخرًا من العمل في الداخل، إن الحرب كانت بمثابة "حاجز دموي" أمام مستقبله، حيث تعرض للاعتقال فور اندلاعها، وتم التنكيل به ومصادرة أمواله التي جمعها بشق الأنفس، قبل أن يُزجّ به في الاعتقال لفترة دون توجيه تهم واضحة.
وأضاف: "بعد سلسلة من الإهانات والمعاناة، تم ترحيلي إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم بطريقة قسرية ومهينة"، مشيرًا إلى أنه ما زال يعاني من آثار ما تعرض له، نفسيًا وماديًا، دون أن يتمكن من تحصيل مستحقاته أو تعويضه عن الخسائر التي لحقت به.
وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تراجعًا حادًا في الأنشطة الاقتصادية في عام 2024، حيث انخفض نشاط الإنشاءات بنسبة 98%، والصناعة بنسبة 90%، والزراعة بنسبة 91%، والخدمات بنسبة 81%.
من جانبه، قال الدكتور سلامة أبو زعيتر، الناشط في قضايا العمال وعضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إن واقع العمال وصل إلى مستويات مأساوية، خصوصًا مع استهداف المنشآت الصناعية، والمزارع، وعمليات النزوح القسري.
وأشار أبو زعيتر لـ"فلسطين أون لاين" إلى أن شُح الطاقة والمواد الخام دفع بالعمال إلى مزاولة مهن بدائية وهامشية، مثل جمع الحطب وصناعة أفران الطين والخياطة اليدوية، مؤكدًا أن "العمال في غزة لا يبحثون فقط عن فرصة عمل، بل عن كرامة إنسانية".
كما انتقد أبو زعيتر برامج التشغيل المؤقت، التي وصفها بأنها عرضة للاستغلال فضلًا عن ظروف العمل القاسية.
ولفت إلى معاناة عمال غزة الذين كانوا في الداخل والذين تعرضوا للاعتقال ومصادرة ممتلكاتهم دون أي تعويض.
وأكد على جملة من المطالب، أبرزها توفير فرص عمل تنموية ومستدامة وتنظيم المهن الجديدة التي فرضتها ظروف الحرب.
ودعا إلى تطوير سياسات العمل بما ينسجم مع الواقع وتحسين شروط الأجور والبيئة المهنية.
وأشار إلى مراجعة آليات توزيع المساعدات لضمان وصولها إلى الفئات الأكثر تضررًا، خصوصًا العمال، وتحقيق حقوق عمال الداخل وتعويضهم عن الأضرار.
وشدد أبو زعيتر على ضرورة إشراك النقابات وممثلي العمال في جميع لجان الطوارئ والتعافي.

