قائمة الموقع

"مواقد الحياة".. ابتكارات تتحدى الحرب والحصار

2025-04-30T16:17:00+03:00
"مواقد الحياة".. ابتكارات تتحدى الحرب والحصار
فلسطين أون لاين

لم تعد الحرب تقتصر على القصف والدمار، بل امتدّت إلى تفاصيل الحياة اليومية التي باتت أقرب إلى معركة بقاء. ومع شحّ غاز الطهو، وارتفاع أسعار الحطب، اضطر مئات آلاف الغزيين إلى البحث عن بدائل غير مألوفة لطهو طعامهم وتدفئة أسرهم.

في هذا السياق، برزت ابتكارات فردية تُجسّد روح الصمود، ومنها مواقد محلية الصنع تعمل على حرق مخلفات بلاستيكية جمعت من بين أنقاض المنازل. من بين هؤلاء المبتكرين، يبرز عبد الرحمن خلة، الشاب الغزيّ الذي حوّل بؤس الحصار إلى شعلة حياة.

في أحد أزقة حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، تتصاعد أعمدة من الدخان الأسود من فناء منزل صغير متهالك، حيث يقف خلة، (27 عاما)، منشغلاً بإشعال موقد صنعه بيديه من بقايا الحرب.

يرتدي خلة ملابس متسخة بالسخام، وعيناه تراقبان بدقة اشتعال قطع البلاستيك داخل هذا الموقد الذي يشكل تحديا للحصار الإسرائيلي على غزة.

يقول الشاب لصحيفة "فلسطين" وهو يلوّح بيده ليُبعد الدخان عن وجهه: "لم أكن أتخيّل يوماً أن أطبخ لعائلتي ببقايا خراطيم محترقة، لكن لا خيار أمامنا.. غاز الطهو أصبح من الماضي، والحطب بات حكراً على من يملك المال".

منذ مطلع شهر مارس الماضي، تمنع دولة الاحتلال دخول غاز الطهو إلى قطاع غزة، ما تسبب بأزمة خانقة أجبرت الأهالي على البحث عن بدائل. خلة، الذي كان يعمل قبل الحرب في ورشة لصيانة الأدوات الكهربائية، بدأ يفكّر في حل منزلي بعدما عجزت والدته عن طهي الطعام لأيام متتالية.

يقول خلة: "بدأت أجرب بنفسي. وجدت علبة زيت فارغة، فتحتها من الجانب، وثبّتّ فيها مروحة صغيرة تعمل على بطارية قديمة، وبدأت أُشعل قطع البلاستيك داخلها. فوجئت بقوة الشعلة وسرعة الاشتعال".

يشير خلة إلى قِدر عدس يغلي فوق الموقد، ويضيف: "الحرارة قوية، والطهي أسرع من الغاز أحياناً".

من فكرة إلى سوق

وارتفعت أسعار الحطب في غزة بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، إذ بلغ سعر الكيلوغرام الواحد نحو سبعة شواكل، بعدما كان لا يتجاوز شيكل واحد قبل الحرب.

يعلّق خلة قائلاً: "لديّ ستة إخوة، ولا يمكنني شراء الحطب يومياً. هذا الموقد أنقذنا. نستخدمه ثلاث مرات في اليوم لطهي الطعام، وتسخين الماء للاستحمام".

ما بدأ كحلّ منزلي سرعان ما انتشر في الأسواق، إذ حظي هذا الابتكار بإعجاب الناس ولجأ الكثير منهم لاقتناء واحد. ويقول خلة بابتسامة "عندما صنعته، لم تصدق أمي أنه يعمل. اليوم، صنعت أكثر من ثلاثين موقداً وبعتهم، ويأتيني يومياً من يطلب مزيداً. لم أكن أتوقّع أن يتحوّل هذا الابتكار إلى مصدر رزق".

ورغم ابتسامة خلة التي تعكس فخره، إلا أن المخاطر الصحيّة لا تغيب عن ذهنه. "أنا أعلم أن حرق البلاستيك مضر، وأنه يُؤثّر على الرئة، لكن ماذا أفعل؟ نحن بحاجة للطعام. لو وُجد بديل آمن، لكنت أول من يترك هذا الموقد، لكن اليوم، هو وسيلتنا الوحيدة للبقاء".

ينهي خلة حديثه وهو يعيد ترتيب قطع البلاستيك داخل الموقد قائلاً: "لا يجب أن يرى العالم دمار غزة فقط. يجب أن يرى أيضاً كيف نقاوم بالفكرة... وبشعلة صغيرة من رماد الحرب".

تحدي الحصار

فاطمة السقا، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 42 عامًا ونازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى حي النصر غرب المدينة، هي واحدة من المئات من ربات المنازل اللواتي وجدن من هذا الموقد حلا مثاليا للتغلب على شح غاز الطهو.

تقول السقا لصحيفة "فلسطين": "في بداية الحرب، كنا نستخدم الحطب لطهو الطعام، لكن سعره ارتفع بشكل جنوني، ولم نعد قادرين على شرائه. ثم بدأنا نحرق قطع الورق أو الكرتون، لكنها لم تكن فعالة، وكان الدخان يخنق الأطفال، وعندما سمعت من جارتي عن هذا الموقد قررت أن أجربه".

واضافت السقا، وهي تراقب إناء الحساء يغلي فوق الموقد: "اشتريت الموقد من ناصية الطريق في حي النصر مقابل 130 شيكلا، ومنذ ذلك الحين، أعتمد عليه يوميًا لطهو الطعام لعائلتي المكوّنة من سبعة أفراد. أضع بداخله بقايا بلاستيكية، كعبوات المياه المقطّعة أو أنابيب الري المحطّمة، ثم أشعلها، ومع المروحة الصغيرة التي تعمل ببطارية، تندفع شعلة قوية في دقائق قليلة".

وتشير السقا إلى أن ما يميّز هذا الموقد هو "سهولة تشغيله وسرعته"، مضيفة: "أشعر بالارتياح الكبير عند استخدامه، فلا أحتاج للبحث عن الحطب في الأزقة، ولا أشعر بالقلق من نفاد الغاز الذي لا يدخل غزة منذ شهور. هذا الموقد أنقذني من عجز كبير".

 

اخبار ذات صلة