"نشهد أزمة دوائية مزمنة، تفاقمت بشكل غير مسبوق منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023"، بهذه الكلمات بدأ القائم بأعمال المدير العام للصيدلة بوزارة الصحة في غزة، د. زكري أبو قمر، حديثه عن الواقع الصحي المتدهور في القطاع.
وأوضح أبو قمر، لـ "فلسطين أون لاين" أمس أن النقص في الأدوية والمستهلكات الطبية بلغ مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت نسبة نفاد المستهلكات الطبية إلى 59%، فيما بلغت نسبة الأصناف الدوائية التي نفدت تمامًا 37%.
وأضاف: العجز طال كافة الخدمات الصحية، بما فيها أقسام الجراحة والعناية المركزة والطوارئ، مشيرًا إلى أن 27% من الأدوية الأساسية في أقسام الطوارئ غير متوفرة نهائيًا.
كارثة صحية
يتحدث أبو قمر، بألم عن الحالات التي لا تجد علاجًا مناسبًا، بالقول: "حتى المضادات الحيوية الأساسية لمرضى العمليات غير متوفرة، فنضطر لاستخدام بدائل أقل فعالية، ما قد يؤدي لتدهور حالة المرضى ويمد فترة مكوثهم في المستشفيات".
وفيما يخص مرضى الأورام، كشف أبو قمر، أن 54% من الأدوية الخاصة بعلاج السرطان غير متوفرة، مما يُعطل البروتوكولات العلاجية ويعرض المرضى لمضاعفات خطيرة، كما أن غياب المسكنات اللازمة لهؤلاء المرضى زاد من معاناتهم، في ظل تعذر تحويلهم للعلاج بالخارج بسبب إغلاق المعابر ومنع الاحتلال للسفر.
وأشار إلى أن الإمدادات الدوائية التي وصلت خلال مدة وقف إطلاق النار القصيرة بين يناير ومارس 2025، استنفدت بسرعة، قائلاً: "نواجه الآن نقصًا متزايدًا في المخزون، وإذا استمر إغلاق المعابر، فنحن مقبلون على كارثة صحية حقيقية، ستؤثر على حياة آلاف المرضى".
وتابع أبو قمر، أن الوضع أكثر سوءًا فيما يتعلق بالمستهلكات الطبية، خاصة مع تزايد أعداد المصابين، ما أدى إلى نفاد معظم المستلزمات الضرورية لعلاج الجرحى، مردفا: "نخشى أن نصل إلى لحظة لا نستطيع فيها تقديم أي شيء للجرحى أو المرضى".
ووجّه نداءً عاجلاً لكل المؤسسات الدولية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لفتح معابر القطاع، والسماح بدخول المساعدات الطبية، مؤكدًا وجود مساعدات تنتظر الدخول عبر المعابر لكنها ما زالت عالقة، رغم التواصل المستمر مع الجهات المعنية والمؤسسات الدولية.
وأضاف: "حتى تلك المساعدات التي تنتظر الدخول لا تكفي لسد العجز الكبير في احتياجاتنا، مناشدًا الجميع للتحرك العاجل لتوفير ما يلزم من أدوية ومستلزمات طبية".
قطاع منهك
من جانبه، ذكر مدير دائرة الرعاية الصيدلانية بوزارة الصحة، د. علاء حلس، أن قائمة الأدوية الأساسية لدى الوزارة تتضمن نحو 622 صنفًا، من بينها 229 صنفًا أصبحت أرصدتها صفر، أي ما يعادل 37% من إجمالي القائمة.
وأشار حلس، في حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى أن إجمالي المستهلكات الطبية التي نفدت بلغ 597 صنفًا من أصل 1006، بنسبة 59%، وهي نسبة تعكس حجم الانهيار الحاصل في النظام الصحي.
وبين مدير دائرة الرعاية الصيدلانية، أن 54% من أدوية مرضى السرطان وأمراض الدم غير متوفرة، وكذلك 51% من أدوية صحة الأم والطفل، في حين أن 42% من اللقاحات و40% من أدوية الرعاية الصحية الأولية مفقودة تمامًا.
وتابع: "أما مرضى الكلى، فـ 25% من أدويتهم غير متوفرة، و24% من أدوية الصحة النفسية والأعصاب أيضًا مفقودة، فيما تعاني العناية الفائقة والجراحات من نقص بنسبة 23%".
وأكد حلس، أن غياب هذه الأدوية والمستهلكات يهدد حياة المرضى بشكل مباشر، قائلاً: "هناك قائمة طويلة من المرضى الذين ستتدهور حالتهم بشكل خطير إذا استمر هذا النقص".
صمت دولي
وعن أسباب هذا الانهيار، أرجع مدير دائرة الرعاية الصيدلانية، الأزمة إلى استمرار الحرب والحصار الإسرائيلي على غزة، وإلى تقاعس المؤسسات الدولية عن أداء دورها في توفير العلاج للمرضى.
وشدد حلس، على أن أي جهة قادرة على إيصال الأدوية ولم تفعل، فهي تتحمل مسؤولية معاناة الجرحى والمرضى في القطاع، داعيًا إلى تنسيق الجهود مع وزارة الصحة وتوفير الاحتياجات الطبية العاجلة، لا سيما في ظل الاستهلاك الكبير الناجم عن استمرار العدوان.
وقال: إن الوزارة تبذل جهودًا لصرف بدائل دوائية حيث أمكن، لكنها لا تغني عن الأصناف الأساسية، مضيفًا: "نحن نتواصل بشكل دائم مع كل الجهات المعنية، لكن العجز في تزايد، والوضع يزداد سوءًا مع استمرار إغلاق المعابر".
وفي ختام حديثه، وجه حلس، مناشدة عاجلة لكل المؤسسات الدولية والعربية العاملة في القطاع الصحي، لتحمل مسؤولياتها، واتخاذ خطوات فاعلة لدعم النظام الصحي في غزة، وتوفير الأدوية والمستهلكات الطبية، محذرًا من أن أرواحًا كثيرة قد تُزهق نتيجة هذا الإهمال.