مع بدء الاحتلال حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اكتوى معظم أهالي قطاع غزة بنار النزوح القسري، والتشرد من مكان لآخر بفعل حمم القذائف الصاروخية التي تطلقها قوات الاحتلال.
ويعيش الرياضيون كغيرهم من أبناء شعبهم في ظروف إنسانية غاية في التعقيد، بسبب استمرار العدوان للشهر التاسع عشر.
ويقيم الكثير من الرياضيين في الخيام نازحين، بسبب تشريدهم من مناطقهم، أو لفقدهم منازلهم حيث لم يجدوا لهم مأوى سوى الخيمة.
ولم تشفع المشاركات الدولية للاعبين الفلسطينيين في حمايتهم من القتل والقصف والتدمير، أو حتى توفير معيشة أفضل لهم، بل كغيرهم من أبناء شعبهم يتذوقون مرارة الفقد والحرمان والتجويع، ومكان غير مناسب لمعيشتهم.
الكابتن محمود سلمي لاعب المنتخب الأولمبي والأهلي المصري السابق، استقر به الحال للسكن في خيمة، بعد أن كان يقطن في شقة سكنية فاخرة في جمهورية مصر العربية، لكن القدر والظروف أعادته لغزة ويعيش هذه المأساة والمحرقة.
سلمي الذي احترف في الدوري الأردني بعد فسخ عقده مع الأهلي المصري، اضطر أن يدخل ملعب الشهيد محمد الدرة نازحاً، والسكن في خيمة، بعدما اشتد عليه وعلى أسرته القصف، وتعرض للحصار في منطقة سكنه بحي الشجاعية، ومع إعلان وقف إطلاق النار في يناير الماضي، عاد لمسقط رأسه شرق مدينة غزة، لكن لم يبقَ طويلاً، ونزح قسرا من جديد قبل أيام، حاملاً خيمته وأطفاله لينجو معهم من القذائف التي تساقطت بجوارهم وكادت أن تفتك بهم.
فبعد أن كان سلمي يركض في كل أنحاء الملعب بحثاً عن تسجيل هدف يسعد به جماهير فريقه، بات الآن يسعى من مكان لآخر لتوفير مكان آمن يأوي به عائلته.
أصبح كل همّ سلمي، في هذه الظروف العودة للسكن في منزله لتنتهي حياة النزوح، وأن يوفر حياة آمنة لعائلته، فوقْع القذائف والصواريخ مخيف، وهو يفعل المستحيل كي يُشعرهم بالأمان، بعدما كان الطموح قبل حرب الإبادة، البحث عن وجهة جديدة مع ناد جديد خارج فلسطين.
خسارة تعب السنين
الحكم الدولي محمد أبو شهلا كان من المفترض أن يكون في تلك اللحظات في أحد الفنادق، ضمن مهمة تحكيم لإحدى بطولات كرة القدم مكلفاً من الاتحاد الآسيوي، لكنه الآن يتابع أخبار البطولات من داخل خيمته بمنطقة القرارة شرق مدينة خانيونس.
أبو شهلا فقد منزله بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، وخرج منها نازحاً، ليتم إخراجه من قائمة حكام النخبة في قارة آسيا لاحقاً لعدم حضوره لإدارة المباريات الدولية، دون اكتراث لما يعيشه من ظروف استثنائية وإغلاق للمعابر.
أبو شهلا رفض الخروج من غزة خلال الحرب قبل إغلاق معبر رفح البري في مايو 2024، حيث عرض عليه العمل في إحدى دول الخليج، مع توفير شقة سكنية، ومن هناك يتحرك بحرية لإدارة المباريات الدولية، لكنه فضل البقاء ليبقى بجانب والده ووالدته ويرعاهما في هذه الظروف، ويخسر تعب السنين لتحقيق الطموح بوضع الشارة الدولية على صدره.
تغيرت ملامح أبو شهلا، واشتعل الشيب في رأسه مبكراً، رغم أنه لم يتخط الـ 35 عاماً من عمره ولم يتزوج بعد، لكن كثرة الهموم والنزوح باتت ثقيلة عليه، وظهر عليه التعب والإرهاق في سن مبكرة من العمر.
يقول أبو شهلا لـ "فلسطين أون لاين":" كان طموحي تمثيل بلدي في المحافل العربية والدولية، وقضيت سنوات من التعب والجهد ودفع المال من أجل الوصول لهذه اللحظة، وعند جني الثمار، حصل ما لم يكن في الحسبان، فتحول الهدف من الظهور قاضياً في أفخم الملاعب العربية والآسيوية، للبحث عن خيمة تؤويني أنا وعائلتي، بعد أن تقطعت بنا السبل، وقضينا أيامًا ننام في الشوارع".
العداء يوسف أبو سمعان حامل علم فلسطين في افتتاح أولمبياد بكين 2004، وصل غزة قبل الحرب بفترة قصيرة قادما من دولة قطر، التي يعمل في إحدى مدارسها مدرسا للتربية الرياضية، ومدربا لأحد فرق نادي السد أحد أعظم وأكبر الأندية العربية، ليتذوق مع أبناء شعبه مرارة النزوح والفقد، لكنه لم يندم على البقاء في أرض الرباط.
يشير أبو سمعان، إلى أنه كان بمقدوره مغادرة غزة بسهولة كونه يحمل ورقة الإقامة في قطر، والتي تمنحه الدخول للدولة دون تأشيرة، بل ومتاح أمامه السفر لأكثر من 100 دولة، لكنه قرر مع عائلته البقاء بقناعة تامة.
أبو سمعان الذي تذوق حلاوة العيش في فنادق مختلفة حول العالم عندما كان لاعبا مع منتخب ألعاب القوى، وكان مستقرا بمنزل فاخر في الدوحة، تغيرت عليه الأحوال والظروف، ولجأ للعيش في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، بعد أن فقد منزله بمنطقة الكرامة شمال غرب مدينة غزة، وأسعفته لياقته البدنية التي خزنها في شبابه ليقوم بدور مختلف حاليا، فبعد أن كان يركض للفوز بالألقاب، بدأ يهرول من أجل البحث عن متطلبات الحياة اليومية من مياه صالحة للشرب وطعام وأخشاب لإشعال النار، وهو حال الكثير من زملائه.
فقد أبو سمعان خلال الحرب شقيقه الكابتن بلال مدرب منتخب فلسطين لألعاب القوى، بصاروخ إسرائيلي غادر، وكذلك والده المريض، الذي توفي في مخيمات النزوح، وبات يرعى عائلتين ويزداد حمله فوق الثقل الذي على كاهله.
النماذج الثلاث السابق ذكرها، يوجد مثلها العشرات من زملائهم الرياضيين منتشرين في مخيمات الإيواء، ويعيشون ظروفا مآساوية دون دعم أو مساندة من الجهات المعنية فلسطينيا، أو حتى نظرة ودفاع عنهم من قبل المؤسسات الدولية